هذا الحكم، و لا نتشكّك في كون الواحد نصف
الاثنين مع دعواكم استواء الحكمين في الضرورة.
و الجواب: أنّ المراد بالحكم
الضروريّ هو الذي إذا تصوّرنا طرفيه جزم الذهن بثبوت المحكوم به للمحكوم عليه،
سواء كان تصوّر الطرفين ضروريّا كقولنا: الواحد نصف الاثنين، أو كسبيّا كقولنا:
العدد إمّا أوّل أو مركّب. فجاز حينئذ توقّف الحكم الضروريّ على كسب أو تنبيه أو
غير ذلك. فسبب الخلاف و الاشتباه هنا جاز أن يكون ناشئا من تصوّر الأطراف بسبب عدم
التفطّن لمعنى كلّ واحد من المحكوم به و عليه.
و الواقع كذلك، فإنّ معنى الحسن و القبح غير
بيّن بنفسه، بل يفتقر إلى كشف و إيضاح بأن يقال: معنى الحسن ما لا يشتمل على صفة
مؤثّرة في استحقاق الذمّ، و القبيح ما يشتمل على صفة مؤثّرة في استحقاق الذمّ.
فالعالم بذلك المتصوّر له يحكم ضرورة بأنّ الأوّل لا ينفر العقل منه و الثاني ينفر
العقل منه و ذلك هو المطلوب.
[الواجب تعالى لا يفعل القبيح و لا يخلّ
بواجب]
قال: أصل- واجب الوجود قادر، عالم بتفاصيل
القبائح و ترك الواجبات، و مستغن عن فعل القبائح و ترك الواجبات لما تقدّم من
الأصول. و كلّ من كان كذلك يستحيل عليه فعل القبيح و ترك الواجب بالضرورة ينتج:
أنّ الواجب تعالى لا يفعل القبيح و لا يخلّ بالواجب.
أقول: هذا الأصل هو المقصود بالذات من فصل
العدل، و عليه تبنى باقي الفروع التي تقدّم ذكرها. و اتّفقت المعتزلة و الإماميّة
على امتناع فعل القبيح عليه تعالى و ترك الواجب، و خالفت الأشاعرة في ذلك فجوّزوا
صدور كثير من الأفعال التي يقبّحها المعتزلة عنه تعالى بناء على ما تقدّم من نفي
الحسن و القبح عقلا و أنّ الحاكم بذلك هو الشرع، و هو تعالى الحاكم على غيره و ليس
لغيره حكم عليه، بل هو أحكم الحاكمين.
و قد عرفت بطلان مبنى مقالتهم، و لم نقل: إنّ
غيره يحكم عليه، بل نقول: إنّ حكمته تقتضي ترك القبيح و فعل الواجب، و لا ينافي
ذلك كونه أحكم الحاكمين، بل هو دليل على حقّيّته.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المصنّف استدلّ على
المطلوب ببرهان من الشّكل الأوّل،