تقريره: الواجب تعالى قادر عالم بكلّ القبائح و
ترك الواجبات و مستغن عن كلّها، و كلّ من كان كذلك استحال عليه فعل القبائح و ترك
الواجبات، ينتج: أنّه لا يفعل قبيحا و لا يخلّ بواجب أمّا الصغرى فقد اشتملت على
مدّعيات ثلاثة:
الأوّل: كونه قادرا على كلّ
المقدورات التي من جملتها القبائح و ترك الواجبات.
الثاني: كونه عالما بكلّ
المعلومات التي من جملتها تلك أيضا.
الثالث: كونه غنيّا في ذاته و
صفاته عن كلّ ما عداه اللازم ذلك من وجوب وجوده، و من جملة ذلك فعل القبائح و ترك
الواجبات. و قد تقدّم البرهان على هذه كلّها فلا وجه لإعادته.
و أمّا الكبرى فضروريّة، فإنّا نعلم ضرورة أنّ
القادر على القبيح العالم بقبحه المستغني عنه لا يفعله إذا كان حكيما، و هو تعالى
حكيم، فيكون تعالى كذلك، و هو المطلوب.
[أفعال العبيد صادرة عن اختيار]
قال: أصل- الأفعال التي (توجد من
عبيده)[1] هم موجدوها بالاختيار لأنّها تحصل بحسب دواعيهم. و عند
الفلاسفة: هم موجدوها بالإيجاب. و عند المجبّرة:
أوجدها اللّه تعالى فيهم إذ لا مؤثّر عندهم
إلّا اللّه. و احتجّ أبو الحسين على الأوّل بالضرورة، و ليس ببعيد.
أقول: اختلف الناس في الأفعال التي تحصل عند
قصودنا و دواعينا و تنتفي عند صوارفنا: هل هي صادرة عن قدرتنا أو عن قدرة اللّه
تعالى؟ فذهب جهم بن صفوان إلى الثاني و تابعه على ذلك جماعة المجبّرة، فعندهم إنّه
ليس لأحد مع اللّه تعالى فعل لا إحداثا و لا كسبا[2]. و ذهب
المعتزلة و الإماميّة و الفلاسفة إلى الأوّل.
ثمّ اختلفوا، فقالت الفلاسفة: هي صادرة منّا على
سبيل الإيجاب لأنّ الإرادة
[1]ما بين القوسين في الفصول النصيريّة:
تصدر من العبيد.
[2]الجبريّة أصناف، منهم أصحاب جهم بن
صفوان، فإنّهم قالوا: إنّ الأفعال مخلوقة للّه تعالى فينا، لا تعلّق لها بنا أصلا
لا اكتسابا و لا إحداثا، و إنّما نحن كالظروف. المقالات الإسلاميّين 1: 312، شرح
الأصول الخمسة: 324.