فيكون جائزا منه حينئذ. فإذا أخبرنا بحسن شيء
أو بقبحه لم نجزم بذلك لجواز كذبه في إخباره.
و منها أنّه لو لا ذلك لكان يجوز العكس بأن يصير
الحسن قبيحا بحكم الشارع و القبيح حسنا بحكمه فيثيب الكافر و يعاقب المؤمن، و
اللازم كالملزوم في البطلان و الملازمة ظاهرة، إذ الغرض أنّ العقل لا يحسّن و لا
يقبّح لذاته و لا لصفة تقوم به حينئذ، بل بمجرّد الأمر، فكان يجوز العكس، و بطلانه
ظاهر ضرورة.
[ضروريّة الحكم بالحسن و القبح العقليّين]
قال المصنّف: «و الأولى إثباتها بالضرورة»، و هو
طريقة أبي الحسين البصريّ[1]، فإنّا نعلم ضرورة حسن الصدق النافع و
قبح الكذب الضارّ، و قبح تكليف الكتابة من لا يدله، و المشي من لا رجل له، كما
نعلم كون الكواكب في السماء، و أنّ السماء فوقنا و الأرض تحتنا، و أنّ المدّ و
الجزر في البصرة دون بغداد. و إنّما كان الأولى إثبات ذلك بالضرورة لأنّ
الاستدلال ما لم ينته إلى مقدّمات ضروريّة يلزم التسلسل أو الدّور الباطلان، فكان
الاعتماد على الضرورة أولى. و الضمير في «عليها» و «إثباتها» راجع إلى الحسن و
القبح و الوجوب.
قال: و سبب الاشتباه في الحكم اشتباه ما
يتوقّف عليه الحكم من تصوّرات معاني الألفاظ من المحكوم به و المحكوم عليه و لا
ينافي ذلك ضروريّة الحكم لأنّ الضروريّ هو الذي إذا حصل تصوّر الطرفين حصل الحكم،
من غير حاجة إلى واسطة لأجل الحكم، بل[2] لأجل التصوّرات. و
محلّ النزاع كذلك فإنّ من تصوّر حقيقة الحسن و القبح حكم بنفرة العقل من ترك
الأوّل و فعل الثاني، من غير توقّف على أمر آخر.
أقول: هذا جواب سؤال يرد على قوله: و الأولى
إثباتها بالضرورة.
تقرير السؤال أنّ المعلوم ضرورة لا يختلف فيه و
لا يقع فيه اشتباه و لا شكّ. و الحكم هنا بخلاف ذلك فيهما، فإنّ الخلاف فيه واقع،
و الاشتباه و الشكّ ظاهر فإنّا نتشكّك في
[1]نقل عنه في شرح الأصول الخمسة، قال: و
قد سلك شيخنا أبو عبد اللّه البصريّ طريقة أخرى، و هي أنّ كلّ عاقل يستحسن بكمال
عقله التفرقة بين المحسن و المسيء. شرح الأصول الخمسة: 308.
[2]في النسخ: لا. و ما أثبتناه من الفصول
النصيريّة.