الوجوه فقد وصل إلى مرتبة التوحيد. و ليس المراد
من الاتّحاد ما توهّمه جماعة قاصروا النظر، و هو أن يتّحد العبد باللّه، تعالى
اللّه عن ذلك علوّا كبيرا. بل هو أن لا ينظر إلّا إليه من غير أن يتكلّف و يقول:
كلّ ما عداه قائم به، فيكون الكلّ واحدا. بل من حيث إنّه إذا صار بصيرا بنور
تجلّيه لا يبصر إلّا ذاته تعالى لا الرائي و لا المرئيّ به. قالوا: و من هذا قول
من قال: أنا الحقّ. و من قال: سبحاني ما أعظم شاني. لم يدّع الإلهيّة، بل ادّعى
(نفي إنّيّته بسلب إنّيّة غيره)[1].
[الوحدة]
السادس: الوحدة. قالوا: وحدة الشيء
أبلغ من اتّحاده فإنّ الاتّحاد صيرورة الشيئين واحدا، و فيه شمّة من كثرة ليست في
الوحدة. و في هذا المقام يعدم كلّ شيء من الكلام و الذكر و الحركة و السير و
السلوك، و الطلب و الطالب و المطلوب. «إذا بلغ الكلام إلى اللّه فأمسكوا»[2]. و لم يبق بعد
ذلك إلّا مرتبة الفناء في التوحيد كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[3]. لا يكون في
الوحدة شيء من الامور المذكورة و لا غيرها وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ
كُلُّهُ[4].
قال: إلّا أنّ ذلك قباء لم يخط على قدّ كلّ
ذي قدّ، و نتائج لم يعلم مقدّماتها كلّ ذي جدّ، بل ذلِكَ فَضْلُ
اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ[5]. جعلنا اللّه و إيّاكم من السالكين
لطريقه، المستحقّين لتوفيقه، المستعدّين لإلهام الحقيقة بتحقيقه، المستبصرين
بتجلّي هدايته و تدقيقه.
أقول: لمّا ذكر كيفيّة المجاهدات في السير
المسمّى ب «السلوك» طلبا لاقتناص الواردات و الوصول إلى الكمالات، قال: إلّا أنّ
ذلك قباء لم يخط على قدّ كلّ ذي قدّ.
[1]ما بين القوسين في «ح»: نفي إنّيّته
بسلب اثنينيّته غيره، و في «م»: نفي اثنينيّة بسبب إنّيّة غيره، و في «ن» «خ»:
إنّيّته بسبب إنّيّة غيره. و ما أثبتناه تلفيق
من النسخ.
[2]عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد
اللّه عليه السّلام: «يا سليمان إنّ اللّه يقول: أَنَّ إِلى
رَبِّكَ الْمُنْتَهى. فإذا انتهى الكلام إلى اللّه فأمسكوا». الكافى 1: 92/
الحديث 2، المحاسن 1: 237/ الحديث 206، البحار 3: 264.