الثالث: النيّة. و هي القصد، و
ذلك واسطة بين العلم و العمل لأنّه إذا لم يعلم علما ثابتا بترجيح أمر لم يقصد
فعله. و إذا لم يقصد فعله لم يقع، فيكون قصد مقصد معيّن مبدأ للسير و السلوك. و
إذا كان المقصد حصول الكمال من الكامل المطلق ينبغي اشتمال النيّة على طلب القرب إلى
الحقّ تعالى إذ هو الكامل المطلق. و إذا كان كذلك كانت وحدها خيرا من العمل وحده،
كما جاء في الخبر: «نيّة المؤمن خير من عمله»[1]. فإنّها
بمنزلة
[1]الاصول من الكافي 2: 84/ الحديث 2،
الوسائل 1: 35 الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات/ الحديث 3، المحاسن:
260/ الحديث 315. و فيه: «نيّة المرء خير من
عمله، و نيّة الفاجر شرّ من عمله، و كلّ عامل يعمل بنيّته».
يبدو في بادئ النظر أنّ الحديث يحتاج إلى
توضيح و بيان، و لقد أجاد المصنّف في «نضد القواعد» في توضيحه، فقال:
العشرون: روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله
أنّ: «نيّة المؤمن خير من عمله». و ربّما روي: «و نيّة الكافر شرّ من عمله».
فورد سؤالان: أحدهما: أنّه روي أنّ: «أفضل
العبادة أحمزها». (رواها المحقّق في «معارج الأصول» المخطوط، ورقة: 35، كما في
هامش «القواعد و الفوائد» 1: 108، و في «النهاية» لابن الأثير 1: 440، و فيه: سئل
رسول اللّه صلى الله عليه و آله:
أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: «أحمزها»). و لا ريب
أنّ العمل أحمز من النيّة، فكيف يكون مفضولا؟
و روي أيضا: «إنّ المؤمن إذا همّ بحسنة كتبت
بواحدة، و إذا فعلها كتبت عشرا». (الأصول من الكافى 2: 428/ الحديث 1، 2، الوسائل
1: 36 الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات/ الحديث 6، 7، 8، بتفاوت يسير في اللفظ
فيهما). و هذا صريح في أنّ العمل أفضل من النيّة و خير.
السؤال الثاني: أنّه روي: أنّ النيّة المجرّدة
لا عقاب فيها. (الأصول من الكافي 2: 428/ الحديث 1، 2، 3، 4، الوسائل 1: 36 الباب
6 من أبواب مقدّمة العبادات/ الحديث 6، 7، 8، 9، 20) فكيف يكون شرّا من العمل؟
و اجيب بوجوه: الأوّل: أنّ النيّة يمكن فيها
الدوام بخلاف العمل فإنّه يتعطّل عنه المكلّف أحيانا. فإذا نسبت هذه النيّة
الدائمة إلى العمل المنقطع كانت خيرا منه، و كذا نقول في نيّة الكافر.
الثاني: أنّ النيّة لا يكاد يدخلها الرياء و
لا العجب لأنّا نتكلّم على تقدير النيّة المعتبرة شرعا، بخلاف العمل فإنّه يعرضه
ذينك.
و يرد على هذا أنّ العمل و إن كان معرضا لهما،
إلّا أنّ المراد به العمل الخالي عنهما، و إلّا لم يقع تفضيل.
الثالث: أنّ المؤمن يراد به الخاصّ، أي المؤمن
المغمور بمعاشرة أهل الخلاف، فإنّ غالب أفعاله جارية على التقيّة و مداراة أهل
الباطل. و هذه الأفعال المفعولة تقيّة، منها ما يقطع فيه بالثواب كالعبادات
الواجبة، و منها ما لا ثواب فيه و لا عقاب كالباقي. و أمّا نيّته فإنّها خالية عن
التقيّة، و هو و إن أظهر موافقتهم بأركانه و نطق بها بلسانه، إلّا أنّه غير معتقد
لها بجنانه، بل آب عنها و نافر منها.
و إلى هذا الإشارة بقول أبي عبد اللّه عليه
السّلام و قد سأله أبو عمر و الشاميّ عن الغزو مع غير الإمام العادل: «إنّ اللّه
يحشر الناس على نيّاتهم يوم القيامة». (المحاسن: 262/ الحديث 325، الوسائل 1: 34
الباب 5 من أبواب مقدّمة العبادات/ الحديث 5). و روي مرفوعا عن النبيّ صلى اللّه
عليه و آله، (مسند أحمد 2: 392).