و كانت حلقة الاتّصال بالدور السابق هي كتابه «جامع المقاصد» الذي
شرح فيه قواعد العلّامة الحلّيّ، و قد كان بعمله هذا رابطا- بحق- بين عصرين من
عصور تطوّر الفقه الشيعي.
و كان فقه المحقّق الكركي في القرن العاشر الهجري هو الفقه السائد في
الأوساط الشيعيّة، لقوّة استدلاله و مبانيه العلميّة، و استدلالاته في الفقه. فكان
يناقش آراء السابقين بمتانة خاصّة بعد ذكر آرائهم و دلائلهم و براهينهم، و من ثمّ
يفنّدها بأسلوب أجود و أمتن و أدقّ، مع أنّ طريقة الاستدلال لم تكن قويّة إلى هذا الحد
قبل زمانه.
علما بأنّه قد بحث في أمور لم يعر لها السابقون أيّ أهمية تذكر،
كحدود اختيارات الفقيه، و صلاة الجمعة، و الخراج، و المقاسمة، و ذلك لاحتياج
الدولة الشيعيّة الحاكمة في إيران خلال تلك الفترة، و لابتلاء النّاس بهذه
المسائل، و قد بحثها المحقّق الكركيّ مفصّلا في «جامع المقاصد».
و قد تأثّر أكثر الفقهاء بمدرسته العلميّة و استدلالاته القويّة، و
أهمّهم حسين بن عبد الصمد العاملي (984) مؤلّف العقد الطهماسبي، و عبد العالي بن
علي ابن عبد العالي الكركيّ المتوفّى (993) مؤلّف شرح الإرشاد، و بهاء الدين محمد
بن حسين العاملي (1031). و المير داماد الأسترآبادي (1040). و سلطان العلماء
المرعشيّ (1064). و آقا حسين الخوانساري مؤلّف مشارق الشموس (1098).
و من القمم الشامخة في هذه الفترة المقدّس الأردبيلي أحمد بن محمد
المتوفى سنة 993 ه مؤلّف كتاب «مجمع الفائدة و البرهان» و هو شرح لكتاب العلّامة
الحلّيّ «إرشاد الأذهان».
و كانت له طريقته الخاصة في الاستدلال الفقهي، فقد كان قدس سرّه
يعتمد في استدلاله على الفكر و الاجتهاد التحليليّ من دون نظر إلى آراء بقيّة
العلماء.
و مع أنّه لم يكن ذا تجديد خاص به لكن كانت له طريقته الخاصّة.
و كان لمدرسته أتباع مشاهير، و من أهمّهم:
محمد بن علي الموسوي العاملي (1009) مؤلف «مدارك الأحكام».