على أنّ مرادهم من
الحدوث الذي اشترطوه في الحاجة، الحدوث الزمانيّ، الذي هو كون الوجود مسبوقا بعدم
زمانيّ؛ فما ذكروه منتقض بنفس الزمان، إذ لا معنى لكون الزمان مسبوقا بعدم زمانيّ.
26
مضافا إلى أنّ إثبات
الزّمان قبل كلّ ماهيّة إمكانيّة، إثبات للحركة 27 الراسمة للزمان؛ و فيه إثبات
متحرّك تقوم به الحركة؛ و فيه إثبات الجسم المتحرّك و المادّة و الصورة؛ فكلّما
فرض وجود لماهيّة ممكنة، كانت قبله قطعة زمان؛ و كلّما فرضت قطعة زمان، كان عندها
ماهيّة ممكنة 28؛ فالزمان لا يسبقه عدم زمانيّ.
و أجاب بعضهم عن النقض
بأنّ الزمان أمر اعتباريّ و هميّ، لا بأس بنسبة القدم إليه، إذ لا حقيقة له وراء
الوهم.
و فيه أنّه هدم لما
بنوه، من إسناد حاجة الممكن إلى حدوثه الزمانيّ، إذ الحادث و القديم عليه واحد.
26- قوله قدّس سرّه: «إذ
لا معنى لكون الزمان مسبوقا بعدم زمانيّ»
لاستلزامه وجود الزمان حال
عدمه، و هو اجتماع للنقيضين. قال قدّس سرّه في الفصل الثالث من المرحلة التاسعة من
بداية الحكمة: «و يقابله [الحدوث الزمانيّ] القدم الزمانيّ، و هو عدم مسبوقيّة
الشيء بالعدم الزمانيّ. كمطلق الزمان، الذي لا يتقدّمه زمان و لا زمانيّ، و إلّا
ثبت الزمان من حيث انتفى. هذا خلف.» انتهى.
27- قوله قدّس سرّه:
«مضافا إلى أنّ إثبات الزمان قبل كلّ ماهيّة إمكانيّة إثبات للحركة»
حاصله: أنّه على القول
بكون ملاك الحاجة هو الحدوث لا يبقى وجه لحدوث الزمان زمانا، لأنّ كلّ ماهيّة
إمكانيّة عليه مسبوقة بزمان، و الزمان مقدار الحركة، و الحركة خروج من القوّة إلى
الفعل، و القوّة من شؤون المادّة، و لا مادّة بدون الصورة، و المركّب من المادّة و
الصورة هو الجسم؛ فكلّما كان هناك زمان كان هناك مادّة و صورة و جسم، و هي لكونها
ممكنة مسبوقة بزمان، و هكذا، و لا ينتهي إلى مبدء، فلا يتحقّق للزمان مبدء فلا
يعقل أن يكون حادثا زمانيّا.
فقوله قدّس سرّه: «مضافا
إلى ...» وجه آخر لاستحالة كون الزمان حادثا زمانيّا، إلّا أنّ الوجه السابق كان
برهانيّا و هذا الوجه جدليّ.