الشامل لكلّ شيء.
فالعلوم جميعا تتوقّف عليها في ثبوت موضوعاتها 29. و أمّا الفلسفة فلا
ذلك: أنّ موضوعها الموجود
بما هو موجود، و الوجود حاصل لكلّ شيء. فالفلسفة باحثة عن كلّ شيء بما أنّه
موجود. و العلوم و إن كان يبحث كلّ منها عن موجود أيضا، و لكنّه إنّما يبحث عنه
بما أنّه موجود خاصّ، جماد أو نبات أو حيوان أو عدد أو مقدار. فموضوع الفلسفة أعمّ
الموضوعات.
و لا يخفى أنّه أعمّها
مصداقا، و لكنّه يباينها مفهوما. فإنّ الموجود بما هو موجود من قبيل اللابشرط
القسميّ، و الموجود الخاصّ من قبيل البشرط شيء، و هما قسيمان. و إن صدق اللابشرط
القسميّ على كلّ ما صدق عليه البشرط شيء.
و بعبارة اخرى: لكلّ وجود،
ما به يشترك مع باقى الموجودات، و ما به يمتاز عنها. و الفلسفة باحثة عن «ما به
الاشتراك» كما أنّ العلوم يبحث كل منها عن «ما به الامتياز» و لمّا كان ما به
الاشتراك عين ما به الامتياز و متحقّقا في جميع الموجودات، صدق موضوع الفلسفة على
كلّ ما يصدق عليه موضوعات العلوم، التي يكون كلّ منها أخصّ؛ لأنّ ما به الامتياز
لكلّ شيء يختصّ به و لا يشاركه فيه غيره.
و ممّا ذكرنا يظهر:
أوّلا: أنّ كون موضوع الفلسفه
أعمّ الموضوعات، لا يستلزم شمول الفلسفة لجميع العلوم، و اندراج مسائلها في مسائل
الفلسفة، و كونها أجزاء الفلسفة؛ فإنّ أحكام الوجود المطلق، و هو اللابشرط
القسميّ، مباينة لأحكام كلّ وجود مقيّد، و هو البشرط شيء. نعم! إذا كان الأعمّ من
قبيل اللابشرط المقسميّ، كما في موضوع الفلسفة بالمعنى الأعمّ- و هو مطلق الوجود-
بالنسبة إلى موضوعات العلوم، استلزم ذلك.
و ثانيا: أنّ أعمّيّة
الفلسفة بالنسبة إلى ساير العلوم، من قبيل أعمّيّة اللابشرط القسميّ بالنسبة إلى
البشرط شيء؛ لا أعمّيّة اللابشرط المقسميّ بالنسبة إليه.
و بعبارة اخرى: المراد
بأعمّيّة الفلسفة من العلوم، كونها أوسع نطاقا منها، حيث إنّها تبحث عن الوجود
بالكلّيّة في حين إنّ كلّ علم إنّما يبحث عن جانب من جوانب الوجود. فنسبة الفلسفة
إلى العلوم من قبيل نسبة السماع الطبيعيّ إلى ساير أجزاء الحكمة الطبيعيّة- من علم
المعدن، و علم النبات، و علم الحيوان، و غيرها- لا من قبيل نسبة الحكمة الطبيعيّة
إلى أجزائها.
29- قوله قدّس سرّه:
«فالعلوم جميعا تتوقّف عليها في ثبوت موضوعاتها»
حيث إنّ: 1- الفلسفة
موضوعها الموجود العامّ و محمولاته عوارضه الذاتيّة. و