الفصل الثالث [في أنّ
واجب الوجود بالذات ماهيّته إنّيّته]
واجب الوجود بالذات
ماهيّته إنّيّته 1، بمعنى أن لا ماهيّة له وراء وجوده الخاصّ به. و المسألة
1- قوله قدّس سرّه:
«ماهيّته إنّيّته»
الماهيّة قد تطلق و يراد
بها «ما يقال في جواب ما هو» و يقال لها الماهيّة بالمعنى الأخصّ، و قد تطلق و
يراد بها «ما به الشيء هو هو»، فتكون مرادفة للحقيقة، و يقال لها الماهيّة
بالمعنى الأعمّ، لأنّها كما تعمّ الماهيّة بالمعنى الأخصّ تعمّ الوجود و العدم
أيضا، لأنّه إن كان مصداق الشيء هي الماهيّة، فحقيقته- و ما به هو هو- هي
الماهيّة، و إن كان هو الوجود فهو الوجود، و إن كان العدم فهو العدم.
و الماهيّة في قولهم
«ماهيّته إنّيّته» و كذا في قوله: «لا ماهيّة له وراء وجوده الخاصّ به» يمكن أن
يراد بها المعنى الأوّل فيكون التركيب مجازيّا للمبالغه في نفى الماهيّة عن
الواجب، كما تقول حدّه أنّه لا حدّ له، و يمكن أن يراد بها المعنى الثاني فيكون
التركيب حقيقيّا مفاده: أنّ ما به الواجب هو هو إنّما هو وجوده و لا حقيقة له غير
الوجود.
و الحقّ أنّ الواجب ذو
ماهيّة بالمعنى الأخصّ. لأنّ مقتضى كونه وجودا شخصيّا ممتازا عن غيره، كونه واجدا
لما به يمتاز عن ما عداه، و ما به امتياز كلّ موجود عن غيره هو ماهيّته التي يقال
في جواب السؤال عنه بما هو.
نعم! لا يعلم ماهيّته إلّا
هو تعالى، إذ «لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً».
و بما ذكرنا يندفع ما
يقال: من أنّه كيف يصدق على ما به امتيازه عن غيره الماهيّة، و الماهيّة هو ما
يقال في جواب ما هو، و ليس يمكننا العلم بماهيّته حتّى نقوله في جواب ما هو؟
و ذلك لأنّه لا شكّ في أنّ
معنى كون الشيء مقولا في جواب «ما هو» هو قبوله لذلك، و إن لم نقدر عليه؛ فإنّ
عدم علمنا بماهيّة شيء لا ينافي كونه ذا ماهيّة. هذا.