الأمر الثالث: [أنّ
الإمكان موجود بوجود موضوعه في الأعيان]
أنّ الإمكان موجود بوجود
موضوعه في الأعيان، و ليس اعتبارا عقليّا محضا لا صورة له في الأعيان 32، كما قال
به بعضهم 33؛ و لا أنّه موجود في الخارج بوجود
قال في المنطق (ص 367) عند
بيان معاني الذاتيّ:
«المعنى الثالث: الذاتيّ
في باب الحمل، و هو ما كان نفس الموضوع في حدّ ذاته كافيا لانتزاع المحمول بدون
حاجة إلى ضمّ شيء إليه. و هو الذي يقال له: المنتزع عن مقام الذات.
و يقابله ما يسمّى المحمول
بالضميمة.» انتهى.
و قال الحكيم السبزوارى
قدّس سرّه في تعليقته على الأسفار ج 1، ص 157: «و بعبارة اخرى:
لا منافاة بين كون الشيء
عرضيّا بمعنى الخارج المحمول، و بين كونه منتزعا من نفس ذاته كالشيئيّة. فما
قالوا: إنّ الإمكان ذاتيّ، المراد به الذاتيّ في كتاب البرهان. و ما قال قدّس
سرّه: إنّه ليس ذاتيّا، المراد به الذاتيّ في كتاب ايساغوجي.» انتهى.
32- قوله قدّس سرّه: «و
ليس اعتبارا عقليّا محضا لا صورة له في الأعيان»
قيّد بقوله: «محضا» لأنّ
وجود الإمكان في الخارج على ما ذهب إليه نفسه ليس إلّا وجودا اعتباريّا أيضا. و
ذلك لما سيصرّح قدّس سرّه به من أنّ الإمكان معنى عدميّ. و واضح أنّ وجود العدم و
ثبوته لا يكون إلّا وجودا فرضيّا اعتباريّا- كما صرّح بذلك في الفصل الرابع من
المرحلة الاولى- حيث يعتبر العقل اللا واقعيّة واقعيّة للعدم.
إن قلت: فعلى هذا فما هو
الفارق بين القول بوجوده في الأعيان بوجود موضوعه، كما يذهب إليه المصنّف قدّس
سرّه، و بين القول بكونه اعتبارا عقليّا محضا.
قلت: القائل بالقول الأوّل
يرى الإمكان، و هو أمر عدميّ، موجودا في الخارج بوجود اعتبره العقل، حيث يعتبر
اللا واقعيّة واقعيّة للعدم، و لذا يكون الإمكان عنده من المعقولات الثانية
الفلسفيّة التي يكون الاتّصاف بها في الخارج. و أمّا القائل بالقول الثاني فلا
يراه موجودا في الخارج حتّى في اعتبار العقل، بل يعدّه اعتبارا عقليّا محضا، فهو
عنده من المعقولات الثانية المنطقيّة التي يكون عروضها و الاتّصاف بها كلاهما في
الذهن.
قوله قدّس سرّه: «لا صورة
له»
أي: لا واقع له و لا حقيقة
له، فالصورة هنا بمعنى الواقع و الحقيقة، و لعلّه قدّس سرّه عبّر بالصورة ليوافق
لفظه لفظ صاحب القول.