و لو كان كلّ علم مخطئا
في الكشف عمّا وراءه، لزمت السفسطة، و أدّى إلى المناقضة؛ فإنّ كون كلّ علم مخطئا
يستوجب أيضا كون هذا العلم بالكلّيّة مخطئا 27، فيكذب، فيصدق نقيضه، و هو كون بعض
العلم مصيبا.
فقد تحصّل أنّ للماهيّات
وجودا ذهنيّا لا تترتّب عليها فيه الآثار، كما أنّ لها وجودا خارجيّا تترتّب عليها
فيه الآثار. و تبيّن بذلك انقسام الموجود إلى خارجيّ و ذهنيّ. 28
و ذلك لعدم حكاية الشبح
المحاكي- و هكذا كلّ محاك- لمحاكاه حكاية بالذات.
بل إنّما ننتقل منه إليه
لمجرّد المحاكاة و المشابهة. و مثل هذا الانتقال يتوقّف على سبق علم بالمحكيّ.
يدلّك على ذلك أنّا ننتقل من مشاهدة بعض الأشخاص إلى شخص آخر. بينما لا ننتقل من
رؤية بعض آخر. و لا وجه لذلك إلّا أنّ الأوّل مشابه لشخص عرفناه سابقا، بخلاف
الثاني حيث إنّا لم نعرف سابقا شخصا مشابها له، و إن كان المشابه له موجودا في
الخارج. هذا.
قوله قدّس سرّه: «على
سبق علم بالمحكيّ»
نكّر العلم للدلالة على
كفاية مسمّى العلم، و إن كان بالعلم بمثل المحكيّ، لا به نفسه.
26- قوله قدّس سرّه: «و
المفروض توقّف العلم بالمحكيّ على الحكاية»
فيلزم الدور. إذ
الانتقال إلى المحكيّ متوقّف على العلم بالمحكيّ، و العلم بالمحكيّ أيضا متوقّف
على الانتقال، كما هو المفروض في هذا الرأي.
قوله قدّس سرّه: «و
المفروض توقّف العلم بالمحكيّ على الحكاية»
أي: على الانتقال و هي
الحكاية الناقصة التي تتصوّر في الشبح المحاكي. و أمّا الحكاية التامّة فلا تستقيم
على القول بالشبح. و هو واضح. و لو كان الشبح ذا حكاية تامّة، لم يتوجّه عليه
الاعتراض الأوّل، و هو لزوم السفسطة.
27- قوله قدّس سرّه:
«يستوجب أيضا كون هذا العلم بالكلّيّة مخطئا»
أي: على وجه الكلّيّة.
فإنّ خطأ الموجبة الكلّيّة إنّما يكون بخطأ كلّيّته و إن كانت صادقة على وجه جزئيّ
فكذب «كلّ حيوان إنسان» مثلا إنّما هو من جهة أنّه ليس كلّ حيوان إنسان و إن كان
بعضه إنسانا.
و يمكن أن يراد بقوله
هذا العلم بالكلّيّة: العلم بهذه القضيّة الكلّيّة. فتكون الكلّيّة صفة لموصوف
مقدّر، هي القضيّة.
28- قوله قدّس سرّه: «و
تبيّن بذلك انقسام الموجود إلى خارجيّ و ذهنيّ»