الفصل الثالث [في انقسام
الوجود في نفسه إلى ما لنفسه و ما لغيره 1]
ينقسم الموجود في نفسه
إلى: ما وجوده لنفسه، و ما وجوده لغيره. و المراد بكون وجود الشيء لغيره أن يكون
وجوده في نفسه- و هو الوجود الذي يطرد عن ماهيّته العدم- هو بعينه طاردا للعدم عن
شيء آخر 2، لا لعدم ماهيّة ذلك الشيء الآخر و ذاته، و إلّا كانت
1- قوله قدّس سرّه: «في
انقسام الوجود في نفسه إلى ما لنفسه و ما لغيره»
قد تبيّن بما أشرنا إليه
في بعض تعاليقنا السابقة أنّ الوجود في نفسه منحصر في الواجب تعالى، و هو واحد
موجود لنفسه. فانقسام الموجود إلى ما لنفسه و ما لغيره، مبتن على ما مرّ في الفصل
السابق، من توجيه الالتفات إلى الوجودات الرابطة و النظر إليها على الاستقلال،
فيحصل لها نفسيّة، و بذلك يتمّ التقسيم المذكور. و يظهر ممّا ذكرنا أنّ هذا
التقسيم ليس حقيقيّا لأنّه مبتن على اعتبار الرابط مستقلّا.
نعم! هو تقسيم حقيقي على
مذاق المشّائين، الذين يرون بعض المعلولات وجودا مستقلّا موجودا في نفسه.
الحقّ أنّ الوجود لغيره لا
يرفع و لا يطرد إلّا عدما واحدا، هو نقيضه. إلّا أنّ هذا العدم له نوع مقارنة
لشيء آخر. و بعبارة اخرى: العدم المطرود عدم ملكة، ينتزع من موجود و يكون ناعتا
له.
فوجود العلم إنّما يطرد
عدم العلم فقط، إلّا أنّ هذا العدم له نوع مقارنة لموجود كالإنسان مثلا.
فالفرق بين الوجود لغيره و
الوجود لنفسه- بعد اشتراكهما في طرد عدم واحد هو عدم ماهيّة نفسهما- أنّ العدم
المرفوع بالأوّل عدم نعتيّ له نوع مقارنة لشيء، في حين إنّ المطرود بالثاني من
العدم ليس له تلك الناعتيّة و المقارنة.
و مع ذلك، لا يخفى ما في
قولنا: «العدم مقارن و ناعت لشيء موجود» من المسامحة. فإنّ