فقد ذكر أبو إسحاق في كتاب
المبعث «أن المشركين كانوا يقولون ذلك».
و اللّه تعالى حكى عنهم
ذلك في موضع آخر فقال: «وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي
أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ
بَيْنِكَ حِجابٌ»[1] فحكى اللّه تعالى ذلك عنهم رادّا
عليهم بقوله: «وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا
عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً»[2] أي: إن كان الأمر كما يزعمون أنّ في آذانهم وقرا و في قلوبهم أكنّة
فما يسمعون و لا يفهمون، فلم قال: إذا سمعوا ذكر اللّه في القرآن وحده ولّوا على
أدبارهم نفورا، و هذا تأويل ذكره الواقديّ و غيره.
و قيل: المراد بذلك المثل
أي مثلهم في إعراضهم عن التأمّل لما يسمعونه من كلام اللّه كأنّا جعلنا بينك و
بينهم حجابا مستورا، و كأنا جعلنا على قلوبهم أكنة، و كأنّ في أسماعهم وقرا، كما
قال تعالى: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ
لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً»[3]، و كما قال تعالى: «إِنَّا جَعَلْنا فِي
أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ، وَ جَعَلْنا
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ
فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ»[4].
و هذا طريق التشبيه لحالهم
بمن هذه سبيله، لا أنّهم كانوا كذلك على الحقيقة، كما يقول أحدنا لمن هو معرض عن
الحقّ الظاهر: هو أعمى و هو أصمّ، و هو جماد، و نحن نعلم أنّ أيديهم لم تكن مغلولة
و لا كانت أبصارهم مغشاة لا يبصرون. فعلمنا أنّه على طريق ضرب المثل به، قال الشاعر.
كيف الرشاد و قد صرنا إلى نفر
هم عن الرشد أغلال و أقياد
و في التوراة: «إنّ اللّه
تعالى قال: و أنا أقسي قلب فرعون، فلا يحبّك يا موسى».