قلنا: لأنّ الأمر لا يخلو
من أن يكون مستحيلا أو لا يكون مستحيلا، و ما لا يستحيل إمّا أن يكون واجبا أو لا
يكون واجبا، و ما لا يجب و لا يستحيل هو الجائز، و الطرفان أحدهما الوجوب و الآخر
الاستحالة، فتعيّن انحصار هذا التقسيم، و الاستحالة في حقّ الأعراض غير ثابتة،
فليس فيها إلّا الوجوب أو الجواز فإذا أبطلنا الوجوب تعيّن الجواز.
و الّذي يدلّ على أنّها
ليست واجبة الوجود بذواتها و جهات اثنان:
أحدهما: أنّ هذه الأعراض تابعة في ثبوتها لثبوت موصوفاتها التي هي محالّها،
و ما يتبع في وجوده وجود غيره لا يكون واجبا بذاته.
و الوجه الثاني: هو أنّ العدم جائز عليها، و واجب الوجود لذاته لا يجوز عليه العدم.
و بيان أنّ العدم جائز على هذه الأعراض أنّه يمكننا تسكين المتحرّك من الأجسام و
إبطال ما فيها من الحركة، و على العكس يمكننا تحريك الساكن و إبطال ما فيه من
السكون.
و لئن خطر بالبال أنّه لا
يمكننا تحريك الأجسام الثقال الساكنة في أماكنها، كالجبال الراسيات، فالمزيل لهذا
الخاطر أنّه لا يمكننا تحريكها بأجزائها، بان نقلع منها قطعة قطعة فنزيل ما فيها
من السّكون. و أيضا فإنّها تتحرّك عند الزلازل و يبطل بذلك التحرّك سكونها. فثبت
أنّ العدم جائز عليها، و واجب الوجود بذاته لا يجوز عدمه.
فإن قيل: لم قلتم إنّ واجب
الوجود بذاته لا يجوز عدمه؟
قلنا: لأنّ القول بوجوب
وجود الشيء و بجواز عدمه متناقض، فدلّ ذلك على أنّ واجب الوجود بذاته يستحيل
عدمه.
إن قال قائل: لم لا يكون
واجب الوجود لم يزل يجوز عدمه فيما لا يزال، فيكون واجب الوجود فيما لم يزل، و
جائز الوجود فيما لا يزال؟
قلنا: إذا جاز عدمه في
تقدير وقت ما أو انعدم و كان هذا العدم أو جوازه