فإن أردت، بأنّه تعالى قضى
أعمال العباد و قرها، انّه أعلم بها الملائكة و الرسل و أخبرهم بأنّهم فاعلون لها
و كتبها في اللوح المحفوظ فهي بقضاء اللّه تعالى و قدره بهذا المعنى و لا يخرج
بشيء منها من قضائه و قدره، فقد وافقنا الأمّة فيما تقوله: و ان أردت بالقضاء
الإيجاب و الإلزام، فاللّه تعالى ما ألزم و ما أوجب إلّا الواجبات من أفعال العباد
دون المباحات و القبائح. و إن أردت أنّه أوجدها و فعلها، فمعاذ اللّه أن يوجد
الفواحش و الكفر و الفسوق و العصيان، سبحانه و تعالى و تقدّس عنها. أمّا الطاعات،
فلو أوجدها لما استحقّ فاعلوها ثوابا و لما كانوا مطيعين للّه تعالى بها.
روي عن النبيّ صلى اللّه
عليه و آله، أنّه قال: «يقول اللّه عزّ و جلّ: من لم يرض بقضائي و لم يصبر على
بلائي فليتّخذ ربّا سوائي». فلو كان الكفر و الفسوق بقضاء اللّه تعالى على معنى
أنّه فعلهما لوجب الرضا بهما. فأجمع المسلمون على أنّه لا يجوز الرضا بمعاصي اللّه
تعالى.
و روى الأصبغ بن نباتة:
«أنّ شيخا قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن صفين، فقال: أخبرنا عن
مسيرنا إلى الشام، أ كان بقضاء اللّه و قدرة؟
فقال: و الذي فلق الحبّة و
برأ النّسمة ما وطئنا موطئا و لا هبطنا واديا إلّا بقضاء و قدر
فقال الشيخ: عند اللّه تعالى
أحتسب عناي ما أرى لي منّ الأجر شيئا فقال له: مه! أيّها الشّيخ! لقد عظم اللّه
أجركم في مسيركم و أنتم سائرون، و في منصرفكم و أنتم منصرفون و لم تكونوا في شيء
من حالاتكم مكرهين، و لا إليها مضطرّين.
فقال الشيخ: فكيف و القضاء
و القدر ساقانا؟
فقال ويحك! لعلّك ظننت
قضاء لازما و قدرا حتما، لو كان كذلك لبطل