حالا؟ فهذا أيضا لا يصحّ،
لأنّ القول بإثبات الحال في حقّه تعالى باطل بما سبق. فتحقق أنّه لو كان معه تعالى
قديم آخر، لكان واجب الوجود بذاته، منفصلا عنه تعالى، و كان يلزمه أن يماثله، و
أدلّة التوحيد التي قدّمناها تمنع منه.
و هذه الطريقة هي التي
يمكن أن يستدلّ بها على جميع المخالفين في التوحيد من الثنويّة و المجوس و النصارى
على ما وعدناه به.
[الرد على الثنوية]
و أمّا الثنوية فإنّهم
ذهبوا إلى قدم النور و الظلمة، و قالوا: بأنّ النور يفعل الخير بطبعه، و الظلمة
تفعل الشرّ بطبعها، و إنّهما كانا لم يزل متباينين، النّور في جهة العلو، و الظلمة
في جهة السفل، و لكنهما يتنافيان من الجهة التي يتلاقيان فيها، قالوا: ثمّ امتزجا
فحصل من امتزاجهما العالم، بما فيه. و أثبتوا للنور خمسة أجزاء، جزء منها روح في
الكلّ. و كذا أثبتوا للظّلمة خمسة أجزاء، جزء منها روح في كلّها. ثمّ افترقوا ثلاث
فرق، المانويّة الذين يثبتون النور و الظلمة حيّين، و الديصانيّة الذين يثبتون
النور حية و الظلمة مواتا، و المرقونيّة الذين يثبتون ثالثا للنور و الظلمة.
و الردّ عليهم هو أن نقول:
النور و الظلمة جسمان، و قد دلّلنا على حدوث الأجسام، فكيف يكونان قديمين؟.
ثم نقول لهم، و لم أثبتم
فاعلين قديمين؟
فمن قولهم إنّ الخير و
الشرّ متضادان فلا يصحّ صدورهما من فاعل واحد.
يعنون بالخير الملاذّ و
المسارّ و بالشرّ الهموم و المضارّ.
فنقول: غير مسلّم تضادّ
الخير و الشرّ، بل الشر قد يكون من جنس الخير، بل نفس ما يقع خيرا يجوز أن يقع شرا
زائدا على إيجادها في الجنس. ألا ترى أنّ لطمة اليتيم ظلما شر، و إن كانت بنية
التأديب كانت خيرا، و ما استلذّه الإنسان لاشتهائه لم يصحّ أن يتألم به و يستضرّ
به، بأن ينفر طبعه عنه.
ثم و لو سلّمنا تضادّ
الخير و الشرّ، فلم لا يجوز صدورهما عن فاعل واحد؟