البصريين. فإن من شيوخهم
من يميل إلى الروافض، و منهم من يميل إلى الخوارج.
و الجبائي و أبو هاشم قد
وافقا أهل السنّة في الإمامة، و أنها بالاختيار، و أن الصحابة مترتبون في الفضل
ترتبهم في الإمامة، غير أنهم ينكرون الكرامات أصلا للأولياء من الصحابة و غيرهم[1]. و يبالغون في عصمة الأنبياء عليهم
السلام عن الذنوب كبائرها و صغائرها، حتى منع الجبائي القصد إلى الذنب إلا على
تأويل.
و المتأخرون من المعتزلة
مثل القاضي عبد الجبار[2]
و غيره انتهجوا طريقة أبي هاشم. و خالفه في ذلك أبو الحسين البصري و تصفح أدلة
الشيوخ و اعترض على ذلك بالتزييف و الإبطال، و انفرد عنهم بمسائل: منها نفي الحال،
و منها نفي المعدوم شيئا. و منها نفي الألوان أعراضا. و منها قوله: إن الموجودات
تتمايز بأعيانها، و ذلك من توابع نفي الحال. و منها رده الصفات كلها إلى كون
الباري تعالى عالما، قادرا، مدركا. و له ميل إلى مذهب هشام بن الحكم في أن الأشياء
لا تعلم قبل كونها. و الرجل فلسفي المذهب. إلا أنه روّج كلامه على المعتزلة في
معرض الكلام فراج عليهم لقلة معرفتهم بمسالك المذاهب.
- أبو الحسن: خالفت
إجماع المسلمين و كفرت بربّ العالمين. و لو جاز أن يكون اللّه مطيعا لعبده لجاز أن
يكون خاضعا له، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. (راجع المختصر للرسعني ص 121).
[1] لئن أنكروا
الكرامات، لقد أثبتها الموحّدون لاستفاضة الخبر عن صاحب سليمان في إتيانه بعرش
بلقيس قبل ارتداد الطرف إليه. و منها رؤية عمر على منبره بالمدينة جيشه بنهاوند
حتى قال يا سارية الجبل و سمع سارية ذلك الصوت على مسافة زهاء خمسمائة فرسخ حتى
صعد الجبل و فتح منه الكمين للعدو و كان ذلك سبب الفتح.
و منها قصة سفينة مولى
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم مع الأسد، و قصة عمير الطائي مع الذئب حتى قيل
له كليم الذئب. و قصة أهبان بن صيفي و أبي ذرّ الغفاري مع الوحش و ما أشبه ذلك
كثير مما حرمه أهل القدر بشؤم بدعتهم و ليس في جوازها قدح في النبوات، لأن الناقض
للعادة فيه دلالة على الصدق فتارة يدلّ على الصدق في دعوى النبوّة، و تارة يدل على
الصدق في الحال. (راجع أصول الدين ص 184).
[2] هو عبد الجبّار بن
أحمد الهمذاني القاضي المتكلم. كان من غلاة الشيعة و كان فقيها شافعيا. ولي قضاء
الريّ و صنّف في مذهبه و ذبّ عنه و دعا إليه و قد صنّف دلائل النبوة فأجاد فيه. و
كان شافعيا في الفروع معتزليا في الأصول توفي سنة 415 ه. (راجع لسان الميزان ص 386
و طبقات الشافعية 3: 219).