و التناسخية[1]، و المشبهة[2]، و الغلاة من الروافض، حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى و صفوه
بأوصاف الإله.
و ثار من الشبهة الثانية
مذاهب: القدرية، و الجبرية، و المجسمة، حيث قصروا في وصفه تعالى حتى و صفوه بصفات
المخلوقين.
فالمعتزلة مشبهة الأفعال،
و المشبهة حلولية الصفات، و كل واحد منهم أعور بأي عينيه شاء، فإن من قال: إنما
يحسن منه ما يحسن منا، و يقبح منه ما يقبح منا، فقد شبّه الخالق بالخلق؛ و من قال:
يوصف الباري تعالى بما يوصف به الخلق، أو يوصف الخلق بما يوصف به الباري تعالى فقد
اعتزل عن الحق، و سنخ[3]
القدريّة طلب العلة في كل شيء، و ذاك من سنخ اللعين الأول؛ إذ طلب العلة في الخلق
أولا، و الحكمة في التكليف ثانيا، و الفائدة في تكليف السجود لآدم عليه السلام
ثالثا، و عنه نشأ مذهب الخوارج، إذ لا فرق بين قولهم: لا حكم إلّا للّه و لا نحكم
الرجال، و بين قوله: لا أسجد إلّا لك، لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ
خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ[4]. و بالجملة «كلا طرفي قصد الأمور ذميم»، فالمعتزلة غلوا في التوحيد
بزعمهم حتى وصلوا إلى التعطيل بنفي الصفات، و المشبهة: قصروا حتى و صفوا الخالق
بصفات الأجسام، و الروافض: غلوا في النبوة و الإمامة حتى وصلوا إلى الحلول، و
الخوارج: قصروا حتى نفوا تحكيم الرجال.
و أنت ترى إذا نظرت أنّ
هذه الشبهات كلها ناشئة من شبهات اللعين الأول، و تلك في الأول مصدرها، و هذه في
الآخرة مظهرها، و إليه أشار التنزيل في قوله تعالى
وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[5].
[1] هم الذين يعتقدون
بتناسخ الأرواح في الأجساد، و الانتقال من شخص إلى شخص.
[2] الذين يجعلون اللّه
أعضاء و يقولون إنه جسد و له يد و عين.
[3] السّنخ، بالكسر:
الأصل من كل شيء و الجمع أسناخ و سنوخ.
[4] تمام الآية: قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ
مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ سورة الحجر: الآية 33.