تعالى. فإن وجدوا فيه نصا
أو ظاهرا تمسكوا به، و أجروا حكم الحادثة على مقتضاه.
و إن لم يجدوا فيه نصا أو
ظاهرا فزعوا إلى السنّة. فإن روى لهم في ذلك خبر أخذوا به، و نزلوا على حكمه. و إن
لم يجدوا الخبر فزعوا إلى الاجتهاد. فكانت أركان الاجتهاد عندهم اثنين أو ثلاثة. و
لنا بعدهم: أربعة؛ إذ وجب علينا الأخذ بمقتضى إجماعهم و اتفاقهم، و الجري على
مناهج اجتهادهم.
و ربما كان إجماعهم على
حادثة إجماعا اجتهاديا، و ربما كان إجماعا مطلقا لم يصرح فيه باجتهاد، و على
الوجهين جميعا، فالإجماع حجة شرعية لإجماعهم على التمسك بالإجماع. و نحن نعلم أن
الصحابة رضي اللّه عنهم الذين هم الأئمة الراشدون لا يجتمعون على ضلال. و قد قال
النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا تجتمع أمّتي على ضلالة».
و لكن الإجماع لا يخلو عن
نص خفي أو جلي قد اختصه، لأنا على القطع نعلم أن الصدر الأول لا يجمعون على أمر
إلا عن تثبت و توقيف، فإما أن يكون ذلك النص في نفس الحادثة التي اتفقوا على حكمها
من غير بيان ما يستند إليه حكمها، و إما أن يكون النص في الإجماع حجة، و مخالفة
الإجماع بدعة.
و بالجملة مستند الإجماع
نص خفيّ أو جليّ لا محالة، و إلا فيؤدي إلى إثبات الأحكام المرسلة، و مستند
الاجتهاد و القياس هو: الإجماع و هو أيضا مستند إلى نص مخصوص في جواز الاجتهاد،
فرجعت الأصول الأربعة في الحقيقة إلى اثنين، و ربما ترجع إلى واحد، و هو قول اللّه
تعالى.
و بالجملة نعلم قطعا و
يقينا أن الحوادث و الوقائع في العبادات و التصرفات مما لا يقبل الحصر و العد. و
نعلم قطعا أيضا أنه لم يرد في كل حادثة نص، و لا يتصور ذلك أيضا. و النصوص إذا
كانت متناهية، و الوقائع غير متناهية، و ما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى، علم
قطعا أن الاجتهاد و القياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد.