و كم قد ساهلت القوم في
الاحتياج، و قلت: أين المحتاج إليه؟ و أي شيء يقرره لي في الإلهيات؟ و ما ذا يرسم
لي في المعقولات؟ إذ المعلم لا يعني لعينه، و إنما يعني ليعلم. و قد سددتم باب
العلم، و فتحتم باب التسليم و التقليد، و ليس يرضى عاقل بأن يعتقد مذهبا على غير
بصيرة، و أن يسلك طريقا من غير بينة.
و إن كانت مبادئ الكلام
تحكيمات، و عواقبها تسليمات[1] فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ
بَيْنَهُمْ* ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ
يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً[2].
الفصل السابع أهل
الفروع
المختلفون في الأحكام
الشرعية، و المسائل الاجتهادية[3].
(أ) اعلم أن أصول
الاجتهاد و أركانه أربعة: الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القياس. و ربما تعود إلى
اثنين.
و إنما تلقوا صحة هذه
الأركان و انحصارها من إجماع الصحابة رضي اللّه عنهم، و تلقوا أصل الاجتهاد و
القياس و جوازه منهم أيضا؛ فإن العلم قد حصل بالتواتر أنهم إذا وقعت لهم حادثة
شرعية، من حلال أو حرام، فزعوا إلى الاجتهاد، و ابتدءوا بكتاب اللّه
[3] الاجتهاد في اللغة
عبارة عن استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة و المشقّة. و أما في
اصطلاح الأصوليين فمخصوص باستفراغ الوسع في طلب العلم بشيء من الأحكام الشرعية،
على وجه يحسّ من نفسه بالعجز عن المزيد فيه و للاجتهاد، أحكامه، فمنها الواجب
العيني، و منها الواجب الكفائي. و يجب أن تتوفر في المجتهد شروط فمنها العدالة و
هذا شرط لجواز الاعتماد على فتواه و منها أن يكون ملما عالما عارفا محيطا بمدارك
الأحكام الشرعية و أقسامها و طرق إثباتها و وجوه دلالاتها على مدلولاتها و اختلاف
مراتبها عارفا جهات ترجيحها عند تعارضها متمكنا من استشارة الظن بالنظر فيها و
تقديم ما يجب تقديمه و تأخير ما يجب تأخيره عارفا كيفية استثمار الأحكام منها
قادرا على تحريرها و تقريرها، و مدارك الأحكام و أدلّتها التفصيلية هي الكتاب و
السنّة و الإجماع و القياس.