فأخبر أنه كان موجودا
مكتوبا قبل الحاجة إليه في أم الكتاب. و قوله (عز و جل):
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ[2].
فأخبر أن القرآن كان في
اللوح المحفوظ، يريد مكتوبا فيه. و ذلك قبل الحاجة إليه. و فيه ما فيه من الأمر و
النهي، و الوعد و الوعيد، و الخبر و الاستخبار. و إذا ثبت أنه كان موجودا قبل
الحاجة إليه، ثبت أنه لم يزل كان. و قوله تعالى:
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ
يَلْعَبُونَ[3].
يريد به ذكر القرآن لهم، و
تلاوته عليهم، و علمهم به، فكل ذلك محدث، و المذكور المتلو المعلوم غير محدث، كما
أن ذكر العبد للّه (عز و جل) محدث، و المذكور غير محدث، و قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[4].
يريد به- و اللّه أعلم-
أنا أسمعناه الملك و أفهمناه إياه، و أنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلا به من
علو إلى سفل و قوله (تبارك و تعالى): إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ[5].
يريد به حفظ رسومه و
تلاوته. و قوله: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ[6]، و الحديد جسم لا يستحيل عليه الإنزال. و يجوز أن يكون ابتداء خلقه
وقع في علو، ثم نقل إلى سفل. فأما الإنزال بمعنى الخلق فغير معقول. و أما النسخ، و
الإنشاء و النسيان، و الإذهاب، و الترك، و التبعيض فكل ذلك راجع إلى التلاوة، أو
الحكم المأمور به. و باللّه التوفيق.