نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 94
عند التمكن من الضدين. و
لو كانت القدرة لا تتعلق إلا بمقدور واحد، لكان العبد ملجأ إليه غير واجد عنه
محيصا. و هذا الذي ذكروه دعوى محضة، و اقتصار على ذلك المذهب. فليس من شرط القدرة
على شيء القدرة على تركه، و سبيل تعلق القدرة الحادثة بمقدورها كسبيل تعلق العلم
بالمعلوم، و ليس من شرط تعلق العلم بالمعلوم أن يتعلق بضد له.
ثم ما ذكروه لا يستقيم
منهم، مع مصيرهم إلى أن الممنوع قادر على ما منع منه. و أصلهم أن المقيد المربوط
قادر على المشي و التصعد في الهواء. فإذا ساغ لهم الحكم بإثبات القدرة مع امتناع
وقوع المقدور، لم يبعد منا إثبات القدرة على الشيء من غير اقتدار على ضده.
فصل
فإن قيل: قد شاع من مذهب
شيخكم تجويز تكليف ما لا يطاق، فأوضحوا ما ترتضونه منه، و أيدوه بالدليل بعد تصوير
المسألة. قلنا: تكليف ما لا يطاق تكثر صوره. فمن صوره تكليف جمع الضدين، و إيقاع
ما يخرج عن قبيل المقدورات. و الصحيح عندنا أن ذلك جائز عقلا غير مستحيل.
و اختلف جواب شيخنا رضي
اللّه عنه في جواز تكليف من لا يعلم، كالمغشيّ عليه و الميت.
و الدليل على جواز تكليف
المحال، الاتفاق على جواز تكليف العبد القيام مع كونه قاعدا حالة توجه الأمر عليه،
و قد أقمنا الدليل القاطع على أن القاعد غير قادر على القيام. فإذا جاز كون القيام
مأمورا به قبل القدرة عليه، و إن كان ذلك غير ممكن، فلا يبقى لاستحالة تكليف
المستحيل وجه.
فإن قيل: القيام ممكن على
الجملة، بخلاف جمع الضدين؛ قيل: وقوع القيام مقدورا من غير قدرة عليه مستحيل كجمع
الضدين، و إنما المأمور به قيام مقدور عليه.
فإن قيل: المأمور بالقيام
منهي عن تركه؛ فلئن كان القاعد، في حال قعوده، غير قادر على القيام المأمور به،
فهو قادر على القعود المنهي عنه، و هو متعلّق التكليف. و هذا أقرب وجه ذكر في ذلك،
و هو على التحصيل باطل من وجهين: أحدهما أن الأمر بالترقي في السماء من تكليف
المحال عند نفاته، و إن كان الاستقرار على الأرض مقدورا ممكنا، و هو ضد للترقي و
التحليق في جو السماء. و الوجه الآخر أن القعود و إن كان منهيا عنه، فليس المقصود
القعود، بل المقصود بالطلب ما لا قدرة عليه و هو التحلّق في جو السماء.
فإن قالوا: الأمر بالضدين
ينبئ عن طلب جمعهما، و طلب الجمع يتطلب إرادة، و إرادة جمع الضدين مستحيلة؛ قلنا:
هذا مبنيّ على أن المأمور به يجب أن يكون مرادا للآمر، و ليس الأمر كذلك عندنا.
فإن الرب تعالى يأمر الكافر بالإيمان، و إذا كان شقيا في حكمه لا يريد منه وقوع
الإيمان.
فإن قيل: ما جوزتموه عقلا،
هل اتفق وقوعه شرعا؟ قلنا: قال شيخنا ذلك واقع شرعا، فإن اللّه تعالى أمر أبا لهب
أن يصدق النبي و يؤمن به في جميع ما يخبر به، و مما أخبر به أنه لا يؤمن
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 94