نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 78
لنبوءته، و خصصه بتكريمه و
شرّفه بتكليمه، يستحيل أن يجهل من حكم ربه ما يدركه حثالة المعتزلة.
و من نفى الرؤية نسب مثبت
جوازها إما إلى ثبوت ما يقتضي تكفيرا، و إما إلى ثبوت ما يقتضي تضليلا، و الأنبياء
عليهم السلام مبرّءون عن ذلك، كيف و قد ذهب مخالفونا إلى وجوب عصمتهم عن جميع
الزلل!
فإن قال منهم قائل: إنما
سأل موسى عليه السلام علما ضروريا، و عبر عنه بالرؤية، قيل له:
الرؤية المقرونة بالنظر
الموصول «بإلى»، نص في الرؤية.
ثم الجواب يحمل على حسب
الخطاب، فما بال المعتزلة حملوا: «لَنْ تَرانِي» على نفي الرؤية، و حملوا السؤال في صدر الآية على غير الرؤية؟
و إن قال منهم قائل: إنما
سأل الرؤية لقومه قطعا لمعاذيرهم، إذ كانوا يسألونه أن يريهم اللّه جهرة، قيل له:
هذا مخالفة للنص، فإنه عليه السلام أضاف الرؤية المسئولة إلى نفسه، حيث قال:
«أَرِنِي».
ثم كيف يظن بالكليم أن
يسأل ربه ما يعلم استحالته في حكمه تعالى لأجل قومه! و لما سألوه و قد جاوزوا
البحر أن يجعل لهم إلها، قال في الرّد عليهم:
إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [سورة الأعراف: 138].
و قد ذهبت شرذمة من
المعتزلة، إلى أن موسى عليه السلام كان يعتقد جواز الرؤية غالطا، فأعلمه اللّه
تعالى أنه لا يجوز ذلك، و تلك عظيمة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، و هو من أعظم
الازدراء بالأنبياء. و لو جاز ذلك، لجاز أن يعتقد نبي كون ربه جسما غالطا، ثم
يعلمه اللّه و يلهمه الصواب.
فإن تبين أن سؤال موسى
عليه السلام دال على جواز ما سئل عنه، ثم سؤاله كان عن رؤية في الحال، فلا يقدح في
النبوّة ذهول النبي عليه الصلاة و السلام عن علم الغيب. فكان صلى اللّه عليه و
سلّم يظن ما اعتقده جائزا ناجزا، فأعلمه الرب تعالى مكنون غيبه. ثم سؤاله كان عن
رؤية في الحال، فتعيّن حمل النفي على موضع السؤال.
فصل
فإن قيل: قدمتم أن كل
إدراك فإنه متعلق جوازا بكل موجود، و قود ذلك يلزمكم تجويز تعلق الإدراكات الخمسة
بذات الباري و صفاته، و ملتزم ذلك ينتهي إلى الحكم بكون الرب تعالى مشموما ملموسا
مذوقا. قلنا: قد ذكرنا أن اللمس و الذوق و الشمّ عبارات عن اتصالات، و ليست هي
الإدراكات. فأما الإدراكات، مع القطع باستحالة الاتصال، فيجوز تعلقها بكل موجود، و
كل دال على جواز رؤية كل موجود، يطرد في جميع الإدراكات.
فإن قيل: قد قدمتم في
الصفات الواجبة، أن الرب تعالى سميع بصير، و أثبتم العلم بالسمع
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 78