نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 77
فإن قائلا منهم لو قال:
باضطرار تعلم استحالة وجود موجود لا مجامع للعالم و لا مفارق له، لم تدفع هذه
الدعوى إلا بمثل ما دفعنا به شبهة نفاة الرؤية. ثم الباري تعالى يرى خلقه من غير
جهة، فجاز أن يرى في غير جهة.
و ينبغي للمبتدي في هذا
الفن، أن لا يغفل عن معارضتهم بالعلم و كون الرب تعالى معلوما، في كل ما يتمسكون
به في نفي جواز الرؤية.
فصل
قد ثبت بموجب العقل جواز
رؤية الباري تعالى، و هذا الفصل يشتمل على أن الرؤية ستكون في الجنان، وعدا من
اللّه تعالى صدقا و قولا حقا.
و الدليل عليه نصّ الكتاب،
و هو قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [سورة القيامة: 22- 23].
و النظر ينقسم معناه في
اللغة، و تعتوره وصائل مختلفة على حسب اختلاف معانيه. فإن أريد به التقرب و
الانتظار، استعمل من غير صلة؛ قال اللّه تعالى في الإنباء عن أحوال المنافقين و
مخاطبتهم المؤمنين، و قد حيل بينهم و بينهم:
انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [سورة الحديد:
13]، معناه: انتظرونا.
و إن أريد بالنظر الفكر،
وصل بفي، فتقول: نظرت في الأمر، إذا تدبرته. و إذا أريد به الترحم، وصل باللام،
فتقول: نظرت لفلان. و إذا أريد به الإبصار، أي الرؤية وصل بإلى.
و النظر في الآية التي
احتججنا بها موصول بإلى خبر عن الوجوه الناظرة المستبشرة، فاقتضاء النظر إثبات
الرؤية. فإن عارضونا بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [سورة الأنعام:
103]، قلنا: في الكلام على
هذه الآية مسالك. منها، إن الرب تعالى لا يدرك جريا على ظاهر الآية، بل يرى. و
إنما امتنع من سلك هذا المسلك من إطلاق الإدراك لإنبائه عن الإحاطة و تضمنه
اللحوق، و إنما يلحق ذو الغايات، و الرب تعالى يتقدّس عن التحديد بالنهايات. و
هؤلاء لا يمتنعون من إطلاق الإحاطة على معنى العلم، و يقولون: الرب تعالى يعلم على
الحقيقة و لا يحاط به، و يرى و لا يدرك، ثم ليس في الآية نفي جواز الإدراك، و هو
موضع الاختلاف الراجع إلى مدارك العقول.
ثم هذه الآية مطلقة غير
مختصة بالأوقات، و هي عامة فيها، و الآية التي استدللنا بها تنص على إثبات الرؤية
في أوقات معلومة، فيتجه في طرق التأويل حمل المطلق على المقيد، فيحمل نفي الإدراك
على أيام الدنيا.
و إن عارضونا بقوله تعالى
في جواب موسى عليه السلام: لَنْ تَرانِي [سورة الأعراف: 143]، فهذه الآية من أصدق الأدلة على ثبوت جواز
الرؤية؛ فإن من اصطفاه اللّه لرسالته، و اختاره و اجتباه
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 77