و تحقيقه أنّ النّفس
الإنسانية خلقت خالية من جميع العلوم و المعارف الضروريّة و الكسبيّة، للعلم
الضروري بأنّ أنفس الأطفال في مبدأ خلقهم خالية عن الجميع، و لا شكّ في أنّها
قابلة لها، لأنّ حصول العلوم الضروريّة و الكسبيّة بعد الاستعداد التّام لها
ضروريّ، و لو لا القبول لما حصل لها ذلك، فإنّ كلّ حاصل بعد أن لم يكن لا بدّ و أن
يسبقه إمكان حصوله، فإنّ القسمة العقليّة في الجهات لا تخلو من ثلاثة: الوجوب، و
الامتناع، و الإمكان، و الوجوب الذاتي ليس حاصلا لها قطعا، و لا الامتناع الذاتي،
فلم يبق إلّا الإمكان الذاتي، و لها بعد الإمكان الذاتي إمكان آخر استعدادي، قابل
للشدّة و الضعف، إذ الأوّل غير كاف في تحصيل الفيض من واهب الصور تعالى و تقدّس،
بل لا بدّ من هذا الاستعداد، فإذا تمّ و تكامل أفاض اللّه تعالى الصورة الموهوبة
منه تعالى لقابلها، كما أنّ الصورة الإنسانيّة الحادثة[2] تفتقر إلى استعداد قبول جسم خاص لا كلّ جسم، بل جسم معيّن و هو
النطفة لها، ثمّ إنّ النطفة كلّما ازدادت قربا من الصورة الإنسانيّة ازدادت
استعدادا، و هناك مراتب متعدّدة في المسافة المتوهّمة بين مبدأ الخلقة و منتهاها،
إذا وصل الاستعداد إلى مرتبة منها استعدّ بواسطة ذلك الاستعداد لمرتبة اخرى، و
هكذا إلى أن يحصل كمال الصورة، و