قال: إن التكليف لم يقع بالمنظور فيه ليصح[1]بل بالنظر و هو مقدور، و إلا فلا خفاء في وقوع التكليف بمعرفة الصانع
و وحدانيته و نحو ذلك، و بالجملة، فالعلم النظري مقدور التحصيل و الترك، بخلاف
الضروري و لزومه بعد تمام النظر لا ينافي ذلك. و من هاهنا أمكن في القضية النظرية
اعتقاد النقيض بخلاف القضية البديهية[2].
الرابع:إن أقرب الأشياء إلى الإنسان اتصالا و مناسبة هويته[3]التي يشير إليها بقوله: أنا. و قد كثر فيها الخلاف، و لم يحصل من
النظر الجزم بأنها هذا الهيكل المحسوس[4]أو
أجزاء لطيفة ساريه فيه، أو جزء لا يتجزأ في القلب، أو جوهر مجرد متعلق به[5]أو غير ذلك[6]فكيف
فيما هو ابعد كالسماوات و العناصر و عجائب المركبات، و أبعد كالمجردات و الإلهيات
و مباحث الذات و الصفات؟
و أجيب: بأن ذلك إنما يدل على صعوبة تحصيل هذه العلوم بالنظر لا على
امتناعه و المتنازع هو الامتناع لا الصعوبة.
الخامس:لو أفاد النظر العلم أي التصديق في الإلهيات لكان شرطه هو التصور
متحققا لكنه منتف، إما بالضرورة فظاهر. و إما بالكسب فلأن الحد ممتنع لامتناع
التركيب، و الرسم لا يفيد تصور الحقيقة. و أجيب بأن الرسم قد يفيد تصور الحقيقة و
إن لم يستلزمه، و لو سلم فيكفي التصور بوجه ما.
السادس:أن العلم بوجود الواجب هو الأساس في الإلهيات، و لا يمكن اكتسابه
بالنظر، لأنه يستدعي دليلا يفيد أمرا و يدل عليه، و ذلك إما نفس ثبوت
[3]للهوية عند القدماء عدة معان و هي
التشخص. و الشخص نفسه و الوجود الخارجي قالوا: ما به الشيء هو هو باعتبار تحققه
يسمى حقيقة و ذاتا و باعتبار تشخصه يسمى هوية و إذا أخذ أعم من هذا الاعتبار يسمى
ماهية، و قد يسمى ما به الشيء هو هو ماهية إذا كان كليا كماهية الإنسان و هوية
إذا كان جزئيا كحقيقة زيد.