و قد ورد في الصحاح المنقولة عن الثقات عن
النبي عليه السلام أنه قال: «إن الله- تعالى- ينزل إلى السماء الدّنيا في كلّ ليلة،
و في رواية: فى كلّ ليلة جمعة، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟»
[2] و ظاهر لفظ النزول، للانتقال، و الحركة من جهة العلوّ، إلى جهة السفل.
فمن حمله على ذلك في حق الله- تعالى- من
المشبهة؛ فقد أوجب كون البارى- تعالى- متحيزا؛ لانتقاله في الأحياز، و تبدّلها عليه؛
و هو محال، كما يأتى.
و لما تعذر حمله على ما هو ظاهر فيه، اختلف
الأئمة.
فذهب بعض السلف: إلى حمل النزول في حق الله-
تعالى- على نزول لا كنزولنا من غير حركة و انتقال. و هو و إن كان ممكنا في نفس الأمر،
غير أنه لا يدل عليه قاطع، و لا لفظ النزول في الخبر يحتمله على ما سبق؛ فتعين التأويل
بما يحتمله لفظ النزول؛ و هو حمل النزول على معنى اللطف و الرحمة، و ترك ما يليق بعلو
الرتبة و عظم الشأن، و الاستغناء الكامل/ المطلق.
و لهذا يقال: نزل الملك مع فلان إلى أدنى
الدرجات؛ عند لطفه به، و انبساطه في حضرة مملكته. و فائدة ذلك الانبساط الخلق على التقرب
بالعبادات، و إلا فلو نظر إلى ما يليق بمملكته، و علو [3] شأنه، و عظمته؛ لما وقع التجاسر
من العبيد على [4] خدمته [4]، و الوقوف بين يديه في طاعته؛ فإن العباد (و) [5] عباداتهم
من صومهم، و صلاتهم بالنسبة
[1] انظر الشامل لإمام الحرمين ص 557 و
إلجام العوام عن علم الكلام ص 65 ضمن مجموعة القصور العوالى و أساس التقديس للرازى
ص 101، و من كتب الآمدي: غاية المرام ص 137، 142. [2] هذا الحديث أورده الآمدي أيضا في غاية
المرام ص 137، كما ذكره كثير من أئمة المذهب في كتبهم، و أولوه تأويلات عدة، و قد ذكره
ابن تيمية في العقيدة الواسطية ص 15 و قال: انه متفق عليه. و قد ورد هذا الحديث مع اختلاف في الألفاظ
في كثير من الصحاح فقد ورد في صحيح البخارى عن أبى هريرة- رضى الله عنه- (كتاب التهجد،
باب الدعاء و الصلاة من آخر الليل) 2/ 63، و صحيح مسلم 1/ 521- 522 (كتاب المستغفرين،
باب الترغيب في الدعاء و الذكر في آخر الليل و الإجابة فيه). كما ورد هذا الحديث أيضا في سنن أبى داود
و سنن الترمذي و مسند الإمام أحمد. [3] فى ب (و عظم). [4] فى ب (لخدمته). [5] ساقط من أ.
نام کتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين نویسنده : الآمدي، سيف الدين جلد : 1 صفحه : 464