فنقول : أهلُ البيت ـ على هذا التقدير ـ كانوا مدّعين لحقّهم ، والإمام يُفرض عليه أن يعامل الناس بالأحكام الشرعيّة ، ولو أنّ ملَكاً من الملائكة يدّعي حقّـاً له ـ مع وجوب عصمته ، وتيقّن صدقه ـ فليـس للإمام أن يقول : هو صادق ولا يحتاج إلى البيّنة لعصمته من الكذب ; بل الواجب عليه أن يطلب الحجّـة في قوله .
أمَا سمعت أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ادّعى على يهودي عند شريح القاضي ، فطلب منه الحجّة ، فأتى بالحسـن بن عليّ ، فما قبل شهادته وقال : إنّـه فرع ; فقال أمير المؤمنين : لسـتَ أهلا للقضـاء ! ألا تعلم أنّ هذه الدعوى لحـقِّ بيت المال ، وهـا هنا تُسمع شهادة الفـرع ؟ ![2] .
والغـرض : أنّ الإمام والقاضي يجب عليهما مراعاة ظاهر الشرع ، وهو أن لا يسمع قول المدّعي إلاّ بالحجّة وإن تحقّق عصمته عن الكذب ، فلو تمّ حجّـةٌ حكَم ، وإلاّ توقّـف .
ولو صحّ قصّـة مرافعة فـدك ، فأبو بكر عمل فيه ما كان يجب عليه من طلب الحجّـة من المدّعي ، وإن اعتقد عصمته من الكذب .
وأمّا ما ذكر أنّ الحسـنين شهدا لها ولم يسمع أبو بكر ، فإنْ صحّ فربّما كان لصغـرهما ، ولعدم سـماع شهادة الفـرع كما فعل شريح ، وهـذا لا طعن فيه كما ذكرنا ; لأنّه مراع لقواعد الشرع ، وشريح حكم بطلب
[1] إشارة إلى قوله تعالى : ( إنّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، سورة الأحزاب 33 : 33 .
[2] انظر : أخبار القضاة ـ لوكيع ـ 2 / 194 و 200 ، حلية الأولياء 4 / 139 ـ 140 ، تاريخ دمشق 23 / 26 ترجمة شريح ، مختصر تاريخ دمشق 10 / 297 .