لرفعوا البخاري فوق
القرآن ، ولقدّموا أبا حنيفة على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فمن يدري؟
وقد قرأتُ لبعضهم محاولات من هذا القبيل
، إذ كان البعض منهم يقول صراحة : بأنّ الحديث قاض على القرآن ، ويقصد بالحديث
البخاري طبعاً ، كما يقول : لو تعارض حديث النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
مع رأي واجتهاد أبي حنيفة لوجب تقديم اجتهاد أبي حنيفة ، ويعلّل ذلك بأنّ الحديث
يحتمل عدّة وجوه ، هذا إن كان صحيحاً ، أمّا إذا كان مشكوكاً في صحّته فلا إشكال.
وأخذت الأُمة الإسلامية تنموا وتكبر
شيئاً فشيئاً ، وهي دائماً مغلوبة على أمرها ، يتحكّم في مصيرها الملوك والسّلاطين
من الأعاجم ، والفرس ، والمماليك ، والموالي ، والمغول ، والأتراك ، والمستعمرين
من الفرنسيين والإنكليز والإيطاليين والبرتغاليين ، وحدّث ولا حرج.
ودأب أغلب العلماء على الجري وراء
الحكّام ، واستمالتهم بالفتاوى ، والتملّق طمعاً فيما عندهم من مال وجاه ، وعمل
هؤلاء دائماً على سياسة « فرّق تسد » ، فلم يسمحوا لأحد بالاجتهاد ، وفتح ذلك الباب
الذي أغلقه الحكّام في بداية القرن الثاني ، معتمدين على ما يثار هنا وهناك من فتن
وحروب بين السنّة ، وهي الأغلبية السّاحقة ، والتي تمثّل الأنظمة الحاكمة ،
والشيعة وهي الأقلية المنبوذة ، والتي تمثّل في نظرهم المعارضة الخطيرة التي يجب
القضاء عليها.
وبقي علماء السنّة مشغولون بتلك اللّعبة
السّياسية الماكرة في نقد وتكفير الشيعة ، والردّ على أدلّتهم بكل فنون النّقاش
والمجادلة ، حتّى كُتِبتْ في ذلك