من عند نفسه قبل أن
يبيّن له ربُّه ، وإذا كان في المسائل الصغيرة لا يحكم حتى ينزل عليه الوحي ، فما
بالك في الدّماء والحدود؟
وأنّه لمن اليسير جدّاً على من يتأمّل
في ذلك ليعرف أنّها روايات موضوعة من جهة الأموّيين وأتباعهم; ليرضوا بها الحكّام
الذين لا يتورّعون عن قتل الأبرياء على الظنّ والتهمة ، ويمثّلون بهم أشنع التمثيل.
وهذا الكلام لا يصدر
إلاّ ممّن لم يقرأ كتب الحديث والتفسير ، ولم يطلع عليها مرّة واحدة; لأنّ
المفسّرين والمحدّثين رووا أنّ هذه الآية وهي في سورة المائدة الآية ٣٣ نزلت بعد
معاقبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
لهؤلاء ، وفيها عتاب من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
على هذا الفعل ، فكيف يستدلّ بها على صحة فعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!
حتى إنهم ذكروا أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يعد لهذا
الفعل بعد نزول الآية ، وارجع إلى سنن أبي داود ح ٤٣٦٢ ، سنن النسائي ح ٣٥٠٥ ،
تفسير القرطبي ٦ : ١٤٩.
فهذا الكلام يردّه كلام
المحدّثين والمفسرين على السواء; لأنّهم يصرّحون بأنّ الآية نزلت بعد فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّ فعل النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل أن تنزل الحدود ، فكيف يستدلّ بها صاحب كتاب كشف الجاني على صحة
الرواية؟!
وثانياً : إنّ آية القصاص
التي استدلّ بها صاحب كشف الجاني على تصحيح رواية البخاري ومسلم ليس فيها سمل
الأعين ، فما هو المبرّر للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يسمل عيونهم مع عدم ورود الترخيص به؟!
وثالثاً : إنّ هناك روايات
تصرّح بأنّ هذه الآية نازلة في الكفّار ، والمفروض أنّ هؤلاء مسلمين لا يجوز أن
يطبق عليهم ما على الكفار.
ولأجل استبشاع هذا الفعل ذهب
بعضهم إلى أنّ هؤلاء ارتدوا وخرجوا عن الإسلام ( فتح الباري ١٠ : ١٧٥ ) ، لكن هذا
أيضاً لا يدفع بشاعة الرواية; لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة للعالمين فكيف يتصوّر صدور هذا الفعل منه حتى لو كان مع كفار
مشركين!!