وبذلك نفهم مدى نجاح المخطّط الذي رسمه
أبو بكر وعمر في منع وحرق الأحاديث النبويّة ، وجعل كمّامات على الأفواه حتى لا
يتحدّث الصّحابة بها ، كما قدّمنا في رواية قرظة بن كعب ، واستمرّ ذلك الحصار ربع
قرن ، وهي مدّة الخلفاء الثـلاثة ، حتى إذا جاء علي للخـلافة نرى أنّه استشهد
الصّحابة يوم الرحبة على حديث الغدير ، فشهد له ثلاثون صحابيّاً[١] منهم سبعة عشر بدريّاً[٢].
وهذا يدلّ دلالة واضحة بأنّ هؤلاء الصّحابة
، وعددهم ثلاثون ، ما كانوا ليتكلّموا لولا أن طلب منهم أمير المؤمنين ذلك ، فلو
لم يكن علىّ خليفة وبيده القوّة لأقعدهم الخوف عن أداء الشّهادة ، كما وقع ذلك
فعلا من بعض الصّحابة الذين أقعدهم الخوف أو الحسد عن الشهادة ، أمثال أنس بن مالك
، والبرّاء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وجرير بن عبد الله البجلي ، فأصابتهم دعوة
علي بن أبي طالب[٣].
ولم ينعم أبو تراب عليهالسلام بالخلافة ، فكانت
أيامه كلّها محن وفتن ، ومؤامرات وحروب شُنّتْ عليه من كلّ حدب وصوب ، وبرزت تلك
الأحقاد
« فمن العجب حقّاً
أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنّة (
٤ / ١٠٤ ) كما فعل بالحديث المتقدّم هناك .. فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث
إلاّ التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة ».
[١] مسند أحمد ٤ :
٣٧٠ وفيه أيضاً « وقال أبو نعيم : فقام ناس كثير فشهدوا ... ».
[٢] مسند أحمد ١ :
١١٩ وصرّح محقّق الكتاب أحمد شاكر بصحته ، وفيه أيضاً : « فقام إلاّ ثلاثة لم
يقوموا ، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته ».
[٣] أنساب الأشراف
١٥٧ ح ١٦٩ ، ونحوه السيرة الحلبية ٣ : ٣٨٥ ، المعجم الكبير ٥ : ١٧٥ ، تاريخ دمشق
٤٢ : ٢٠٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٢١٨.