ولمّا أعيته الحيلة ورغم تهديده ووعيده
، ومنعه وتحريمه ، وحرقه كتب الأحاديث ، بقي بعض من الصّحابة يُحدّثون بما سمعوا
من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
عندما يلتقون في أسفارهم خارج المدينة بالنّاس اللذين يسألونهم عن أحاديث النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، رأى عمر
أن يحبس هؤلاء النفر في المدينة ، ويضرب عليهم حصاراً وإقامة جبريّة.
فقد روى ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن
عوف ، قال : والله ما مات عمر حتّى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق : عبد
الله بن حذيفة ، وأبي الدرداء ، وأبي ذر الغفاري ، وعقبة بن عامر. فقال : ما هذه
الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله في الآفاق ، قالوا : تنهانا؟ قال: لا ، أقيموا
عندي ، لا والله لا تفارقوني ما عشت[١].
ثمّ جاء بعده ثالث الخلفاء عثمان الذي
اتّبع نفس الطريق ، وسلك ما سطّره له صاحباه من قبل ، فصعد على المنبر وأعلن صراحة
قوله :
لا يحلُّ لأحد أن يرويَ حديثاً عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
لم أسمع به في عهد أبي بكر وعمر[٢].
وهكذا دَام الحصار طيلة حياة الخلفاء
الثلاثة ، وهي خمسة وعشرون عاماً ، ويا ليته كان حصاراً في تلك المدّة فحسب ، ولكنّه
تواصل بعد ذلك ، وعندما جاء معاوية للحكم صعد المنبر هو الآخر وقال : إيّاكم
وأحاديث إلاّ
[١] كنز العمال ١٠ :
٢٩٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٠ : ٥٠٠.
[٢] الطبقات لابن
سعد ٢ : ٣٣٦ ، كنز العمال ١٠ : ٢٩٥ ح ٢٩٤٩٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ : ١٨٠.