الإسلام، و فيه نزل قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[1] [لقمان: 6].
4- مساومات [و مداهنات أنصاف الحلول]
حاولوا بها أن يلتقي الإسلام و الجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه، و يترك النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بعض ما هو عليه وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: 9] فهناك رواية رواها ابن جرير و الطبراني تفيد أن المشركين عرضوا على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أن يعبد آلهتهم عاما، و يعبدون ربه عاما. و رواية أخرى لعبد بن حميد تفيد أنهم قالوا: لو قبلت آلهتنا نعبد إلهك [2].
و روى ابن إسحاق بسنده، قال: اعترض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)- و هو يطوف بالكعبة- الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى و الوليد بن المغيرة و أمية بن خلف و العاص بن وائل السهمي- و كانوا ذوي أسنان في قومهم- فقالوا: يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد، و تعبد ما نعبد فنشترك نحن و أنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، و إن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل اللّه تعالى فيهم:
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ السورة كلها [3].
و حسم اللّه مفاوضتهم المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة.
و لعل اختلاف الروايات لأجل أنهم حاولوا هذه المساومة مرة بعد أخرى.
الاضطهادات
أعمل المشركون الأساليب التي ذكرناها شيئا فشيئا لكف الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، و مضت على ذلك أسابيع و شهور و هم مقتصرون على هذه الأساليب، لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد و التعذيب، و لكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لا تجدي لهم نفعا في كف الدعوة الإسلامية؛ اجتمعوا مرة أخرى، و كونوا منهم لجنة أعضاؤها خمسة و عشرون رجلا من سادات قريش، رئيسها أبو لهب عم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و بعد التشاور و التفكر اتخذت هذه اللجنة قرارا حاسما ضد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و ضد أصحابه.
فقررت ألّا تألوا جهدا في محاربة الإسلام، و إيذاء رسوله، و تعذيب الداخلين فيه، و التعرض لهم بألوان من النكال و الإيلام [4].