، و بث الدعايات الكاذبة، و نشر الإيرادات الواهية حول هذه التعاليم، و حول ذاته و شخصيته، و الإكثار من كل ذلك بحيث لا يبقى للعامة مجال في تدبر دعوته، فكانوا يقولون عن القرآن: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا [الفرقان: 5] إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الفرقان: 4] و كانوا يقولون: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: 103] و كانوا يقولون عن الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم): ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 7] و في القرآن نماذج كثيرة للردود على إيراداتهم بعد نقلها أو من غير نقلها.
3- معارضة القرآن بأساطير الأولين
، و تشغيل الناس بها عنه. فقد ذكروا أن النضر ابن الحارث قال مرة لقريش: يا معشر قريش! و اللّه لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد. قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم، و أصدقكم حديثا، و أعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغية الشيب، و جاءكم بما جاءكم به، قلتم: ساحر. لا و اللّه ما هو بساحر. لقد رأينا السحرة و نفثهم و عقدهم، و قلتم: كاهن. لا و اللّه ما هو بكاهن. قد رأينا الكهنة و تخالجهم و سمعنا سجعهم، و قلتم: شاعر. لا و اللّه ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر و سمعنا أصنافه كلها هزجه و رجزه، و قلتم: مجنون. لا و اللّه ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه، و لا وسوسته، و لا تخليطه، يا معشر قريش فانظروا في شأنكم، فإنه و اللّه لقد نزل بكم أمر عظيم.
ثم ذهب النضر إلى الحيرة، و تعلم بها أحاديث ملوك الفرس، و أحاديث رستم و اسفنديار، فكان إذا جلس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) مجلسا للتذكير باللّه و التحذير من نقمته خلفه النضر، و يقول: و اللّه ما محمد بأحسن حديثا مني، ثم يحدثهم عن ملوك فارس و رستم و إسفنديار، ثم يقول: بما ذا محمد أحسن حديثا مني؟! [1].
و تفيد رواية ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قينات، فكان لا يسمع برجل مال إلى النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) إلا سلط عليه واحدة منهن تطعمه و تسقيه، و تغني له، حتى لا يبقى له ميل إلى
[1] ابن هشام 1/ 299، 300، 358، و تفهيم القرآن 4/ 8، 9، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد اللّه النجدي ص 117، 118.