هو الذي أشرنا إليه من الاستكشاف و التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، و المسالك المؤدية إلى مكة، و عقد المعاهدات مع القبائل التي مساكنها على هذه الطرق، و إشعار مشركي يثرب و يهودها و أعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء، و أنهم تخلصوا من ضعفهم القديم، و إنذار قريش عقبى طيشها، حتى تفيق عن غيها الذي لا تزال تتوغل في أعماقه، و علها تشعر بتفاقم الخطر على اقتصادها و أسباب معايشها فتجنح إلى السلم، و تمتنع عن إرادة قتال المسلمين في عقر دارهم، و عن الصد عن سبيل اللّه، و عن تعذيب المستضعفين من المؤمنين في مكة، حتى يصير المسلمون أحرارا في إبلاغ رسالة اللّه في ربوع الجزيرة.
و فيما يلي أحوال هذه السرايا بالإيجاز:
1- سرية سيف البحر
، في رمضان سنة 1 ه. الموافق مارس سنة 623 م. أمّر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) على هذه السرية حمزة بن عبد المطلب، و بعثه في ثلاثين رجلا من المهاجرين، يعترض عيرا لقريش جاءت من الشام، و فيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص [1]. فالتقوا و اصطفوا للقتال، فمشى مجدي ابن عمرو الجهني- و كان حليفا للفريقين جميعا- بين هؤلاء و هؤلاء، حتى حجز بينهم، فلم يقتتلوا.
و كان لواء حمزة أول لواء عقده رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و كان أبيض، و كان حامله أبا مرثد كناز بن حصين الغنوي.
2- سرية رابغ
، في شوال سنة 1 من الهجرة- أبريل سنة 623 م، بعث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين راكبا من المهاجرين، فلقي أبا سفيان- و هو في مائتين- على بطن رابغ، و قد ترامى الفريقان بالنبل، و لم يقع قتال.
و في هذه السرية انضم رجلان من جيش مكة إلى المسلمين، و هما المقداد بن عمرو البهراني، و عتبة بن غزوان المازني، و كان مسلمين، خرجا مع الكفار، ليكون ذلك وسيلة للوصول إلى المسلمين. و كان لواء عبيدة أبيض، و حامله مسطح بن أثاثة بن المطلب بن عبد مناف.
3- سرية الخرّار
[2]، في ذي القعدة سنة 1 ه الموافق مايو سنة 623 م، بعث
[1] العيص- بالكسر- مكان بين ينبع و المروة ناحية البحر الأحمر.
[2] الخرار- بالفتح فالتشديد- موضع بالقرب من الجحفة.