أبيّ بن كعب، قال: لما قدم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و أصحابه المدينة و آوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، و كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح و لا يصبحون إلا فيه.
الإذن بالقتال
في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة، و التي كانت تنبئ عن قريش أنهم لا يفيقون عن غيهم، و لا يمتنعون عن تمردهم بحال، أنزل اللّه تعالى الإذن بالقتال للمسلمين، و لم يفرضه عليهم قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: 39].
و أنزل هذه الآية ضمن آيات أرشدتهم إلى أن هذا الإذن إنما هو لإزاحة الباطل، و إقامة شعائر اللّه، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج: 41].
و الصحيح الذي لا مندوحة عنه أن هذا الإذن إنما نزل بالمدينة بعد الهجرة، لا بمكة، و لكن لا يمكن لنا القطع بتحديد ميعاد النزول.
نزل الإذن بالقتال، و لكن كان من الحكمة إزاء هذه الظروف- التي مبعثها الوحيد هو قوة قريش و تمردها- أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش التجارية المؤدية من مكة إلى الشام، و اختار رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) لبسط هذه السيطرة خطتين:
الأولى: عقد معاهدات الحلف أو عدم الاعتداء مع القبائل التي كانت مجاورة لهذا الطريق، أو كانت تقطن ما بين هذا الطريق و ما بين المدينة، و قد أسلفنا معاهدته- (صلّى اللّه عليه و سلم)- مع اليهود، و كذلك كان عقد معاهدة الحلف أو عدم الاعتداء مع جهينة قبل الأخذ في النشاط العسكري، و كانت مساكنهم على ثلاثة مراحل من المدينة، و قد عقد معاهدات أثناء دورياته العسكرية و سيأتي ذكرها.
الثانية: إرسال البعوث واحدة تلو الأخرى إلى هذا الطريق.
و لتنفيذ هاتين الخطتين بدأ في المسلمين النشاط العسكري فعلا بعد نزول الإذن بالقتال، و قاموا بحركات عسكرية هي أشبه بالدوريات الاستطلاعية، و كان المطلوب منها
[1] سمى المؤرخون ما خرج فيه النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) بنفسه غزوة، حارب فيها أم لم يحارب و ما خرج فيه أحد قادته سرية.