- كان غلاما حدثا من سكان يثرب، قدم في وفد من الأوس، جاءوا يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، و ذلك قبيل حرب بعاث في أوائل سنة 11 من النبوة، إذ كانت نيران العداوة متقدة في يثرب بين القبيلتين- و كان الأوس أقل عددا من الخزرج- فلما علم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بمقدمهم جاءهم فجلس إليهم، و قال لهم: «هل لكم في خير مما جئتم له؟» فقالوا: و ما ذاك؟ قال: «أنا رسول اللّه، بعثني إلى العباد، أدعوهم أن يعبدوا اللّه و لا يشركوا به شيئا، و أنزل عليّ الكتاب»، ثم ذكر لهم الإسلام، و تلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ: أي قوم، هذا و اللّه خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع- رجل كان في الوفد- حفنة من تراب البطحاء فرمى بها وجه إياس، و قال: دعنا عنك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس و قام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و انصرفوا إلى المدينة من غير أن ينجحوا في عقد حلف مع قريش.
و بعد رجوعهم إلى يثرب لم يلبث إياس أن هلك، و كان يهلل و يكبر و يحمد، و يسبح عند موته، فلا يشكون أنه مات مسلما [2].
3- أبو ذر الغفاري
- و كان من سكان نواحي يثرب، و لما بلغ إلى يثرب خبر مبعث النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بسويد بن صامت و إياس بن معاذ وقع في أذن أبي ذر أيضا، و صار سببا لإسلامه [3].
روى البخاري عن ابن عباس قال: قال أبو ذر: كنت رجلا من غفار، فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت: لأخي انطلق إلى هذا الرجل و كلمه، و آتني بخبره، فانطلق، فلقيه، ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ فقال: و اللّه لقد رأيت رجلا يأمر بالخير، و ينهى عن الشر، فقلت له: لم تشفني من الخبر، فأخذت جرابا و عصا، ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، و أكره أن أسأل عنه، و أشرب من ماء زمزم و أكون في المسجد.
قال: فمر بي عليّ. فقال: كأن الرجل غريب؟ قال: قلت: نعم. فقال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء و لا أسأله و لا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد؛ لأسأل عنه، و ليس أحد يخبرني عنه بشيء. قال: فمر بي علي فقال: أ ما زال للرجل يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: فانطلق معي، قال: فقال: ما أمرك؟ و ما
[2] ابن هشام 1/ 427، 428، و تاريخ إسلام للنجيبآبادي 1/ 126.