ما هذا إلّا لشيء قد آذى دوابّ البحر فهي تضجّ إلى اللّه تعالى، قال: فتقبل سحابة حتى تغيب في البحر، ثم تقبل أخرى و أخرى حتى عدّ سبع سحائب، ثم ترتفع إلى جانب آخر تنهزم تتبعها التي تليها، و الريح تصفقها ثم يرتفعن جميعا في السماء، و قد أخرجن شيئا يرون أنه التنّين حتى يغيب عنّا و نحن نراه و رأسه في السحاب و ذنبه يضطرب، فيطرحه إلى يأجوج و مأجوج فيسكن البحر لذلك.
و قال المنصوريّ: إن السحاب الموكّل بالتنّين يخطفه حيث ما وجده كما يخطف حجر المغناطيس الحديد، حتى صار لا يطلع رأسه خوفا من السحاب، و لا يخرج رأسه إلّا في الفرد إذا صحت السماء، و ربما احتمله السحاب فانفلت منه و وقع في البحر، فتجيء السحابة بهدّة و رعد و برق فتدخل في البحر فتستخرجه ثانية، فربما مرّ في طريقه بالشجرة العاديّة فيقتلعها و الصخرة العظيمة فيرفعها، و كان في بعض زمان حكيم يقال له بقراطيس فشا الموت في قرى هناك ففحص عنه بقراطيس هذا فإذا بتنّين قد أخرجه السحاب و انفلت منه. فوقع و نتن، فأبلغ ذلك إلى أهل القرى فذهب بقراطيس فجمع الدراهم و جبى أهل القرى، و اشترى بها ملحا فألقاه عليه حتى سكن ذلك النتن، و أسلم اللّه أهل البلاد، قال بقراطيس:
فذهبت إليه لأنظر ما هو فوجدت طوله فرسخين و عرضه أذرع كثيرة، و جسمه مستدير و لونه مثل لون النمر، مفلّس كفلوس السمك، و له جناحان عظيمان كأجنحة السمك بالقرب من رأسه الذي يتشعّب منه الرءوس، و هذا الرأس على خلقة رأس الإنسان مثل التلّ العظيم، و له أذنان طويلتان عريضتان كآذان الفيل، و يتشعّب من ذلك الرأس ستّة أعناق، طول العنق عشرة أذرع، على كلّ عنق رأس شبيه برأس الحيّة.
و حدّث سلّام الترجمان [1] أن الواثق بالله لمّا رأى في منامه كأن السدّ الذي
[1] قال المقدسي في أحسن التقاسيم 277 (ط بيروت): (قرأت في كتاب ابن خرداذبه و غيره في قصة هذا السدّ على نسق واحد. و اللفظ و الإسناد لابن خرداذبه لأنه كان وزير الخليفة و أقدر على ودائع علوم خزانة أمير المؤمنين مع أنه يقول: حدثني سلّام المترجم).