و نار أخرى يوقدونها خلف المسافر الذي لا يرون أن يعود من سفره.
و نار أخرى و هي نار الحرّتين، و هي نار خالد بن سنان أحد بني مخزوم من بني قطيعة بن عبس- و كان يقال نبي- و لم يكن في بني إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام) نبي قبله. و هو الذي [129 أ] أطفأ نار الحرة و كانت ببلاد بني عبس حرة تسطع بالنهار دخانا و تتقد بالليل نارا، و ربما ندرت منها العنق [2] فأتت على كل شيء تناله.
و كان أهل تلك الأرض منها في بلاء عظيم حتى بعث اللّه خالد بن سنان فساقها بعصاه حتى أدخلها بئرا كانت بالحرة، ثم اقتحم معها البئر حتى غيّبها ثم خرج. و قد ذكرنا أخباره في كتاب العجائب.
و المتكلّمون يدفعون أمر خالد و يقولون كان أعرابيا و بريا من أهل شرج و ناظرة، و لم يبعث اللّه نبيا قط من العرب الذين ينزلون البادية و يسكنون بيوت الوبر. و إنما يبعثهم من القرى و ساكني المدر. قال خليد عينين العبدي:
و أيّ نبيّ كان في غير قومه* * * و هل كان حكم الله إلّا مع النخل
و أهل الكتاب يزعمون أن اللّه أوصاهم بالنار و قال (لا تطفئوا النار من بيوتي). فلذلك لا تجد الكنائس و جميع بيوت العبادة تخلو من نار موقدة في سرج و قناديل ليلا و نهارا. و أما المجوس فإنهم لم يرضوا بمصابيح أهل الكتاب حتى اتخذوا للنيران البيوت و السدنة و وقفوا عليها الغلات الكثيرة. و هم يقدمون النار في التعظيم على الماء و يقدمون الماء في التعظيم على الأرض و لا يكادون يذكرون الهواء.