الأدب و ناظرت المتكلمين، فلم يبق شيء من العلم إلّا و قد كشفت ظاهره و فتشت باطنه [11 أ] إلّا ما يتنازع فيه أهل الكوفة و البصرة، من فخر بعضهم على بعض.
و قد أحببت أن تتكلموا في ذلك حتى أسمعه.
فقال هشام [1]: أيّد اللّه أمير المؤمنين. ما زلنا نسمع أن أهل البصرة أبعد في الأرض آثارا و أكثر فتوحا و أبلغ خطيبا و أكثر أدبا، و البصرة قبل الكوفة.
قال الحجاج بن خيثمة: أبقى اللّه أمير المؤمنين، و كيف يكون أهل الكوفة أشرف من أهل البصرة و عندنا من معايبهم و الطعن عليهم ما لو سمعه أمير المؤمنين لعجب منه و سيّما ما صنف فيهم شيخ لأهل البصرة يكنونه أبا عبيدة؟
فقال أحمد بن يوسف [2]: أيد اللّه أمير المؤمنين، أبو عبيدة و أهل البصرة كما قال الفرزدق:
جرير و قيس مثل كلب و ثلّة* * * يبيت حواليها يطوف و ينبح.
و أبو عبيدة يهودي من يهودهم كان قال لأبيه موزجير اليهودي ليس له قديم و لا حديث و لا أول و لا آخر. عاب أنسابهم و تناول أحسابهم و شتم الأمهات و الآباء و ذكر الأخوة و الأخوات، و عاش بينهم سبعين سنة يشتم أعراضهم و ينتهك أحسابهم.
فقال أحمد بن هشام: أنتم لا تعتدون على أهل البصرة أنهم عابوكم و لا شتموكم بأكثر من قول أبي عبيدة. فإن أردتم الانتقام فليكن ذلك فيه، لأن اللّه عزّ و جلّ يقول وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ.
فقال المأمون: قد كنت أعلم أن عندكم اختلافا و افتخارا. و لم أكن أحسبه بلغ هذا، و الكلام كثير، و قد رأيت أن يدلي كل فريق بحجته و يكتبه كاتب حفيظ.
[1] هو أحمد بن هشام أحد أفراد حاشية المأمون، و كان على شرطة طاهر بن الحسين. (الطبري 8: 391 و ابن الأثير 6: 242).
[2] أحمد بن يوسف: كاتب المأمون (ابن النديم 135 و اعلام الزركلي 1: 272).