responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطبقات السنيه في تراجم الحنفيه نویسنده : الغزي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 86
قال: نعم، أجزته بدونها، وهذا شاعر طائي - يعني أبا تمام - لو لم أحفظ له إلا قوله لأمير المؤمنين المعتصم، يحرضه على استخلافك، في قصيدة مدحه بها:
واشْدُدْ بهارونَ الخلافةَ إنَّهُ ... سَكَنٌ لِوَحْشَتِها ودَارُ قَرارِ
فلقد عَلِمْتَ بأنَّ ذلك مِعْصمٌ ... مَا كنتَ تَتْرُكُهُ بِغَيْر سِوَارِ
فطرب، وأمر لأبي تمام بجائزة.
وقال له الواثق يوماً آخر: يا أحمد، لقد اختلت بيوت الأموال بطلبتك للَّئذين بك.
فقال: إن نتائج شكرها متصلة بك، وذخائرها أجرها مكتوبة لك.
فقال: لا منعتك بعدها.
وروى الخطيب أن عون بن محمد الكندي، قال: لعهدي بالكرخ ببغداد، وأن رجلاً لو قال: ابن أبي داود مسلم. لقتل في مكانه، ثم وقع الحريق بالكرخ، وهو الذي ما كان مثله قط، كان الرجل يقوم في صينية شارع الكرخ فيرى السفن في دجلة، فكلم ابن أبي داود المعتصم في الناس، قال: يا أمير المؤمنين، رعيتك في بلدك، وبلد آبائك، نزل بهم هذا الأمر، فاعْطف عليهم بشيء يفرق فيهم؛ يمسك أرماقهم، ويبنون ما انهدم عليهم، ويصلحون أحوالهم.
فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقال: يا أمي رالمؤمنين إن فرقها عليهم غيري خفت أن لا يقسمها بالسوية، فأذن لي في تولي أمرها، ليكون الأجر أوفر والثناء أكبر.
قال: ذلك إليك.
فقسمها على مقادير الناس وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط، واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم، وغرم ماله في ذلك غرماً كثيراً، فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحدٍ مِثلها.
قال عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك، وأن إنساناً لو قال: زر ابن أبي داود وسخ. لقتل مكانه.
وحدث حريز بن أحمد بن أبي داود، قال: حدثني علي بن الحُسين الإسكافي، قال: اعتل أبوك، فعاده المعتصم، وكان معه، بغا، وكنت معه؛ لأني كنت أكتب لبغا، فقام، فتلقاه، وقال له: قد شفاني الله بالنظر إلى أمير المؤمنين.
فدعا له بالعافية، فقال له: قد تمم الله شفائي، ومحق دائي بدعاء أميير المؤمنين.
فقال له المعتصم: إني نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف دينار.
فقال له: يا أمير المؤمنين، فاجعلها لأهل الحرمين، فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا.
فقال: نويت أن أتصدق بها ههنا، وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها.
ثم نهض، فقال: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين؛ فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد:
إن المكارم والمَعْرُوفَ أوْدِيَةٌ ... أحَلَّكَ الله منها حَيثُ تجْتمِعُ
مَن ام تِكُنْ بأمِينِ الله مُعْتصِماً ... فليْسَ بالصَّلواتِ الخَمْسِ ينْتَفِعُ
فقيل للمعتصم في ذلك، لآنه عادة، وليس يعود إخوته وأجلاء أهله، فقال المعتصم: وكيف لا أعود رجلاً، ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجراً، أو أجبت لي شكراً، أو أفادتني فائدة تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط.
وروى الخطيب في " تاريخه " بسنده، عن ابن الأعرابي، أنه قال: سأل رجل قاضي القضاة أحمد بن أبي داود أن يحمله على عَيْر، فقال: يا غلام، أعطه عيراً، وبرذوناً، وفرساً، وجارية.
ثم قال، أما والله ولو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتك.
فشكر له الرجل، وقاد ذلك كله، ومضى، انتهى.
قلت: ومثل ذلك مرويٌ عن معن بن زائدة الشيباني، وهو متقدم على ابن أبي داود في الجود والوجود، فلعل ابن أبي داود حكى مكارمه الوافرة، وضارع أخلاقه الظاهرة.
ومن لطيف ما يحكى هُنا، ويشهد لما ذكرنا، عن الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد، أنه كان يعجبه الخز، ويأمر بالاستكثار منه في داره، فنظر أبو القاسم الزعفراني يوماً إلى جميع ما فيها من الخدم والحاشية، وعليهم الخُزور الفاخرة الملونة، فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئاً، فنظر إليه الصاحب، وقال: علي به.
فاستمهل ريثما يتم مكتوبه، فأمر الصاحب بأخذ الدرج من يده.
فقام، وقال: أيد الله مولانا:
اسْمعه مِمن قاله تزْدَدْ به ... عَجَباً فحسنُ الوردِ في أغصانِهِ
فقال: هات يا أبا القاسم.
فأنشده أبياتاً، منها:
سِوَاك يَعُدُّ الغِنَى مَا اقْتنى ... وَيأمُرُهُ الحِرْصُ أن يَخْزُنا
وأنتَ ابنُ عَبِّاد المُرْتَجى ... تَعُدُّ نَوالَك نَيْلَ المُنى

نام کتاب : الطبقات السنيه في تراجم الحنفيه نویسنده : الغزي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 86
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست