الجوانية بدمشق، و الناصرية البرانية من أغرب الأمكنة في البنيان المحكم، و الجوانية من احسن المدارس. و هو الذي بنى الخان الكبير تجاه الزنجاري و حوّلت إليه دار الأطعمة، و قد كانت قبل ذلك غربي القلعة في إصطبل السلطان الآن، و كانت مدة تملكه لدمشق عشر سنين فبنى فيها هذه الأمكنة، و باشر مشيخة الرباط الناصري هذا أكثر من خمس عشرة سنة الشيخ كمال الدين بن الشريشي، و قد تقدمت ترجمته في دار الحديث الأشرفية الدمشقية، ثم درّس بها بعده ولده الإمام العلامة بقية السلف جمال الدين محمد المكنى بأبي بكر، ميلاده سنة أربع او خمس و تسعين و ستمائة، أحضر على جماعة و ممن سمع عليه جماعة منهم: الحافظان العراقي و الهيثمي [1] و أجاز له آخرون و اشتغل في صباه و تفنن في العلوم مدة، و اشتهر بالفضيلة، و كان حسن المحاضرة، دمث الأخلاق، و درّس في حياة والده ببعض المدارس، ثم بعد وفاة والده بالرباط الناصري، ثم درّس بعدّة مدارس و أفتى، كل ذلك في زمن الشبيبة، ثم ولاه القونوي قضاء حمص، فتوجه إلى هناك و أقام زمانا طويلا، ثم قدم دمشق في أول ولاية الشيخ تقي الدين السبكي فتولى تدريس البادرائية في سنة إحدى و أربعين كما سيأتي و أقام بها يشغل الناس بالجامع و يفتي، ثم ترك البادرائية لولده شرف الدين [2]، سنة خمسين عندما ولي تدريس الاقبالية، ثم تركه لولده الآخر بدر الدين [3]. و لما عزل القاضي تاج الدين في سنة تسع و ستين توجه إلى مصر فولاه البلقيني نيابته في الطريق، ثم توجه إلى القاهرة فولي تدريس الشامية البرانية سنة تسع (بتقديم التاء) و ستين و سبعمائة، و عاد إلى دمشق و باشر التدريس المذكور و الحكم في النيابة المذكورة يوما واحدا. ثم مرض و مات في شوال من هذه السنة بالمدرسة الإقبالية و دفن بتربتهم بسفح قاسيون مقابل جامع الأقرم و هو الذي اختصر (الروضة) و شرح (المنهاج) في أربعة اجزاء لخصه من شرح الرافعي [4] الصغير، و له من غير زيادة (زوائد