ثمّ قال : والعجب من الشيخ الأنصاري مع إنكاره الترتّب ذهب في تعارض الخبرين على السببية إلى ما يلزم منه الالتزام بخطابين مترتّب كلّ منهما على عدم امتثال الآخر ، فليت شعري لو امتنع ترتّب أحد الخطابين على عدم امتثال الآخر ، فهل ضمّ ترتّب إلى مثله يوجب ارتفاع المحذور ؟ إلاّ أنّ الاشتباه من الأساطين غير عزيز[ 1 ] .
أقول : هذه المقدّمة سيقت لبيان محطّ البحث ، ولا إشكال فيها من هذه الجهة ، إلاّ أنّ رمي الشيخ الأعظم(قدس سره) بالترتّب من الجانبين ، واستظهار ذلك من عبارته من الغرائب جدّاً ، نشأ ذلك من قلّة التأمّل في عبارته . وإليك نصّ عبارته :
قال(قدس سره) ـ بعد إيراد شبهة في وجوب الأخذ بأحد المتعارضين بناء على السببية ـ : إنّ الحكم بوجوب الأخذ بأحد المتعارضين في الجملة وعدم تساقطهما ليس لأجل شمول اللفظ لأحدهما على البدل ; من حيث هذا المفهوم المنتزع ; لأنّ ذلك غير ممكن ، كما تقدّم وجهه في بيان الشبهة .
لكن لمّا كان امتثال التكليف بكلّ منهما كسائر التكاليف الشرعية والعرفية مشروطاً بالقدرة ، والمفروض أنّ كلاّ منهما مقدور في حال ترك الآخر وغير مقدور مع إيجاد الآخر فكلّ منهما مع ترك الآخر مقدور يحرم تركه ويتعيّن فعله ، ومع إيجاد الآخر يجوز تركه ولايعاقب عليه .
فوجوب الأخذ بأحدهما نتيجة أدلّة وجوب الامتثال ، والعمل بكلّ منهما بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة ، وهذا ممّا يحكم به بديهة العقل[ 2 ] ، انتهى .
وأنت خبير : بأ نّه أجنبي عن الترتّب ; فضلا عن الترتّبين اللذين يحكم العقل
[1] فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 336 ـ 339 . [2] فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 35 .