قلت : قد ناقش فيه القوم وأوردوا عليه وجوهاً ثلاثة :
الأوّل : ما عن المحقّق الخراساني من أنّ المعاندة بين الشيئين لا تقتضي إلاّ عدم اجتماعهما في التحقّق ، وحيث لا منافاة بين أحد العينين مع نقيض الآخر ـ بل بينهما كمال الملائمة ـ كان أحد العينين مع نقيض الآخر في مرتبة واحدة[ 1 ] .
وأورد عليه المحقّق المحشّي : أنّ كمال الملائمة لاينافي التقدّم والتأخّر ; لأنّ العلّة لها كمال الملائمة مع معلولها ، وهو لايوجب الاتّحاد في الرتبة[ 2 ] .
ولكـن يمكن أن يقال في تقرير مقالـة الخراساني : أنّ الحمل الصناعي ينقسم إلى حمل بالذات ; وهو ما يكون الموضوع فيه مصداقاً للمحمول بذاتـه ، بلا ضمّ حيثية زائدة على ذاته ، كما في «زيد إنسان» ، وإلى حمل بالعرض ، وهو ما يحتاج إلى حيثية زائدة حتّى يصير مصداقاً له بتبعه ، كما في قولك «الجسم أبيض» ; إذ كون الجسم من حيث ذاته لايكفي في مصداقيته له مالم يتخصّص بخصوصية زائدة على ذاته .
فحينئذ : فالسواد وإن لم يصدق على البياض إلاّ أنّ عدم السواد يصدق عليه حملا بالعرض لابالذات ; إذ حيثية الوجود الذي هو عين الطاردية للعدم والمنشئية للأثر تمتنع أن تكون عين عدم الآخر بالذات ، لكن يتّحدان بالعرض ، ويكون وجوده راسم عدمه .
فحينئذ فالحمل بينهما كاشف عن اتّحادهما في الخارج ; اتّحاداً مصداقياً بالعرض ، وما يقع في سلسلة العلل من المقتضيات والمعدّات وعدم الموانع لايعقل