فإمّا أن يكون الاستعمالات المزبورة في تلك المعاني بنحو من المجاز فهو ممّا لا يقول به المفصّل ، وإمّا أن تكون استعمالا في معانيها الحقيقية ولكن بداعي التشويق أو غيره فيلزم أن يكون معانيها غير ما يوجد بها ; حتّى فيما استعمل بداعي إفادة ما هو الموضوع له .
وفيه : أنّ من المحقَّق عند العارف بأساليب الكلام ومحاسن الجمل هو أنّ المجاز ليس إلاّ استعمال اللفظ فيما وضع له بدواع عقلائية ; من التمسخر والمبالغة والتشويق ; حتّى في مثل إطلاق الأسد على الجبان ، ولفظ يوسف على قبيح المنظر ، وإلاّ لصار الكلام خالياً عن الحسن ومبتذلا مطروحاً .
وعليه : فالشاعر المُفلق في قوله :
يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار
قد استعمل حرف النداء في النداء بالحمل الشائع ، وأوجد فرداً منه ، لكن بداع آخر من التضجّر وغيره ، ولكن إرادة الجدّ بخلافه . فما قال من عدم كونها مجازاً ممنوع بل مجاز ، ومطلق المجاز يستعمل لفظه في معناه الحقيقي بداعي التجاوز إلى غيره ، وسيأتي زيادة تحقيق في ذلك إن شاء الله[ 1 ] .
ثمّ إنّه(قدس سره) قد اختار : أنّ الحروف كلّها إخطاريـة ، موضوعـة للأعراض النسبية التي يعبّر عنها وعن غيرها من سائر الأعراض بالوجودات الرابطية ، وأنّ مداليل الهيئات هي الوجود الرابط ; أي ربط العرض بموضوعه ; إذ لفظة «في» في قولنا : «زيد في الدار» تـدلّ على العرض الأيني العارض على زيد ، والهيئة تـدلّ على ربطه بجوهره .