أ مّا أولا : فلما عرفت من ارتكاز العبيد على الانتقال إلى الوجوب من الأوامر ، بلا لحاظ الإرادة التي هذا اللفظ حاك عنها .
وثانياً : أنّ الوجوب والإيجاب في عالم الاعتبار واحدان ذاتاً كالوجود والإيجاد في وعاء التكوين ويختلفان اعتباراً ، ولو صحّ انتزاع الوجوب عن الإرادة صحّ انتزاع الإلزام والإيجاب عنها ، مع أنّ الإرادة لا تسمّى إلزاماً وإيجاباً ، بخلاف الإغراء والبعث لفظاً وحده .
فإن قلت : يرد هذا لو قال القائل بأنّ الحكم عبارة عن نفس الإرادة ، ولكنّه(قدس سره) يقول بكونه عبارة عن الإرادة التشريعية التي يُظهرها المريد ، فشَرَط مع نفس الإرادة وجود المُظهر .
قلت : نعم ، لكن كون الحكم عبارة عن الإرادة المظهرة ينافي انتزاع الوجوب عن البعث المولوي مع الغفلة عن الإرادة .
وثالثاً : أنّ الأحكام الوضعية قسيم التكليفية ، مع أنّ الوضعيات لاتكون من قبيل الإرادات المظهرة ; إذ الحكومة والقضاوة والملكية وغيرها تنتزع من جعلها .
ولايمكن أن يقال : إنّ هذه العناوين منتزعة عن الإرادة أو عن الإرادة المظهرة ، كما أنّ حكم السلطان والقاضي عبارة عن نفس الإنشاء الصادر منه في مقام الحكومة والقضاء لا الإرادة المظهرة ، بل لايكفي في فصل الخصومة إظهار إرادته أو إفهام رأيه ما لم يتكلّم بلفظ نحو «حكمتُ» أو «أنفذتُ» أو ما يفيد الحكم بالحمل الشائع .
نعم ، لو لم ينشأ البعث من الإرادة الجدّية لاينتزع منه الوجوب والإيجاب ، وهو لايوجب أن تكون الإرادة دخيلة في قوام الحكم أو تكون تمام حقيقته ، ويكون الإظهار واسطة لانتزاع الحكم منها ، بل أقصى ما يقتضيه أن يعدّ الإرادة من مبادئ الحكم ، كما فرضناه .