أ مّا أوّلا : فلأنّ عدّ الدلالة الالتزامية من الدلالات اللفظية غير صحيح ; لأ نّها عبارة عن انتقال النفس من تصوّر الملزوم الموضوع له إلى تصوّر لازمه بملازمة عقلية أو عرفية ، وليس للفظه دخالة في هذا الانتقال ; سوى أنّ الانتقال إلى الملزوم بسبب اللفظ ، وهو لايوجب أن يعدّ ما هو من لوازم معناه من مداليل نفس اللفظ ; إذ حكاية اللفظ تابعة لمقدار الوضع وسعته ، وهو لم يوضع إلاّ لنفس الملزوم ، فكيف يدلّ على ما هو خارج عن معناه ؟ ! نعم ، للعقل أن ينتقل عن مدلوله إلى لوازمه ، بلا مؤونة شيء . فظهر : أنّ الالتزام عبارة عن دلالة المعنى على المعنى ; ولهذا لو حصل المعنى في الذهن ـ بأيّ نحو ـ حصل لازمه فيه .
وثانياً : أنّ الفارق موجود بين المقام وبين الدلالة الالتزامية ; لأنّ اللازم في الدلالة الالتزامية لازم لنفس المعنى المطابقي ; بحيث لو دلّ اللفظ عليه دلّ عليـه ولو بوسائط . لكن الانتقال إلى إرادة المقدّمة غير حاصل من المعنى المطابقي للفظ الأمر ـ أعني البعث نحو المطلوب ـ حتّى يصير من لوازم المعنى الموضوع له ، بل الدالّ عليه هنا هو صدور الفعل الاختياري من المولى ـ أعني البعث باللفظ ـ فإنّه كاشف بالأصل العقلائي عن تعلّق الإرادة بهذا البعث ، ثمّ ينتقل ببركة مرادية البعث إلى أنّ مقدّماته مرادة أيضاً ، فأين الانتقال من المعنى الموضوع له ؟ ! إذ مبدأ الانتقال إلى إرادة الواجب ثمّ إلى إرادة مقدّماته إنّما هو نفس صدور الفعل الاختياري ، لا مفاد الأمر ومعناه .