الأشياء وطهارتها إذا قلنا بقبولها الجعل ، فيكون الشكّ متأخّـراً عـن أدلّتهما ، وليس كذلك ، وإنّما هو حاكم على دليل الشرط ; أعني قوله «صلّ في الطاهر» مثلا ، وهما في رتبة واحدة .
والحاصل : أنّ القائل بالإجزاء لايدّعي أنّ أصالة الطهارة ـ مثلا ـ حاكمة على أدلّة النجاسات ، وأ نّها في زمان الشكّ طاهرة ، بل يقول : إنّها محفوظة في واقعيتها ، وإنّ ملاقيها نجس ; حتّى في زمان الشكّ ، لكن يدّعي حكومتها على الدليل الذي دلّ على طهارة ثوب المصلّي ، وأنّه لابدّ أن يكون طاهراً .
وخلاصة حكومتها : أنّ ما هو نجس واقعاً يجوز ترتيب آثار الطهارة عليه في ظرف الشكّ ، ومن تلك الآثار إتيان الصلاة المشروطة بها ، لكن بلسان تحقّق الطهارة ، ولازمه تحقّق مصداق المأمور به لأجل حكومتها على أدلّة الشرائط والموانع ، فراجع وجدانك ترى الحقّ ظاهراً .
ومن ذلك يظهر ضعف ما أفاده في رابع الوجوه : من أنّ الحكومة لو كانت واقعية فلابدّ من ترتيب جميع آثار الواقع لاخصوص الشرطية ، وأن لايحكم بنجاسة الملاقي لما هو محكوم بالطهارة ظاهراً ; ولو انكشف نجاسته بعد ذلك ، انتهى . أنّ الخلط بين المقامين أوقع المستشكل فيما أوقعه ، وقد عرفت أنّ الحكومـة بين القاعدة ودليل شرطية طهارة لباس المصلّي وبدنه لابينها وبين أدلّة النجاسات ; إذ الحكومة عليها باطلة بضرورة الفقه ، لاينبغي للفقيه أن يتفوّه بها أو يحتملها .
ولكن أين هذا من الحكومة على أدلّة الشروط ، وحينئذ يصير نتيجتها توسيع الأمر من الشارع في كيفية أداء العبادة ، ولا يأبى تلك الحكومة شيء ; لا ضرورة الفقه ولا فهم العرف . وأنت إذا كنت ذا تفحّص في الفقه ومآثر الفقهاء تجد أنّ الأكابر من القدماء كلّهم قائلون بالإجزاء في الأحكام الظاهرية ; أمارة كان أو أصلا تعبّدياً .