امتثال أمرها ، والدعوة إلى امتثال المقيّد محال ; للزوم كون الأمر داعياً إلى داعوية نفسه ومحرّكاً لمحرّكية نفسه ، وهو تقدّم الشيء على نفسه برتبتين وعلّية الشيء لعلّة نفسه[ 1 ] .
والجواب عنه يظهر بتوضيح أمرين ، وإن مضت الإشارة إليهما :
الأوّل : أنّ متعلّقات الأوامر ليست إلاّ الماهيات المعقولة ، لا أقول إنّ المأمور به إنّما هي الصلاة في الذهن حتّى يصير امتثاله محالا ، بل طبيعة الصلاة بما أ نّها ماهية كلّية قابلة للانطباق على كثيرين ، والوجود الذهني آلة تصوّرها ، فالبعث إليها في الحقيقة أمر بإيجادها وتحصيلها .
فهي بما أ نّها مفهوم ، مأمور به ومعروض للوجوب ومتعلّق للحكم ـ على تسامح في إطلاق العرض عليه ـ والوجود الخارجي مصداق للمأمور به لا نفس الواجب ; ولذلك يكون الخارج ظرف السقوط دون الثبوت . وعليه فالموضوع في المقام ليس إلاّ الصلاة المتصوّرة مع قصد أمرها ، والإنشاء والأمر إنشاء على ذلك المقيّد .
الثاني : أنّ الأمر ليس إلاّ المحرّك والباعث الإيقاعي ، لا المحرّك الحقيقي والباعث التكويني ; ولهذا ليس شأنه إلاّ تعيين موضوع الطاعة ، من غير أن يكون له تأثير في بعث المكلّف تكويناً ، و إلاّ لوجب اتّفاق الأفراد في الإطاعة .
بل المحرّك والداعي حقيقةً ليست إلاّ بعض المبادئ الموجودة في نفس المكلّف ، كمعرفته لمقام ربّه ودرك عظمته وجلاله وكبريائه ، أو الخوف من سلاسله وناره ، أو الطمع في رضوانه وجنّته .