يكلّم في وقت آخر ، وهكذا. ولا يصح أن يقال : إنّه تعالى ليس عالماً بالشيء الفلاني ، أو في الوقت الفلاني ، فما ذكره الأشاعرة من أنّ التكلم صفة له تعالى ، وكل صفة له قديم ، نشأ من الخلط بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية.
الثاني : أنّ كل كلام صادر من المتكلم بارادته واختياره مسبوق بتصوره في افق النفس على الشكل الصادر منه ، ولا سيّما إذا كان للمتكلم عناية خاصّة به ، كما إذا كان في مقام إلقاء خطابة أو شعر أو نحو ذلك ، وهذا المرتب الموجود في افق النفس هو الكلام النفسي ، وقد دلّ عليه الكلام اللفظي ، وإلى ذلك أشار قول الشاعر :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما
جُعل اللسان على الفؤاد دليلا
ويردّه أوّلاً : أنّ هذه الدلالة ليست دلالة لفظية ، وإنّما هي دلالة عقلية كدلالة وجود المعلول على وجود علّته ، ومن هنا لا تختص بخصوص الألفاظ ، بل تعم كافّة الأفعال الاختيارية.
وبكلمة اخرى : بعد ما ذكرنا في بحث الحروف [١] أنّ الألفاظ لم توضع للموجودات الخارجية ، ولا للموجودات الذهنية ، فلا يعقل أن تكون تلك الصورة معنىً لها ، لتكون دلالتها عليها دلالة وضعية ، بل هي من ناحية أنّ صدور الألفاظ عن لافظها حيث كان بالاختيار والارادة ، فبطبيعة الحال تدل على تصوّرها في افق النفس دلالة المعلول على علّته ، بقانون أنّ كل فعل صادر عن الانسان بالاختيار لا بدّ أن يكون مسبوقاً بالتصور والالتفات ، وإلاّ فلا يكون اختيارياً ، وعلى هذا فكل فعل اختياري ينقسم إلى نوعين : الأوّل الفعل النفسي. الثاني : الفعل الخارجي. فلا يختص ذلك بالكلام فحسب ، ولا أظن أنّ